قرئ رفعا وجزما (١) ؛ فمن جزم فبالعطف على ما قبله ، على معنى جواب الشّرط ؛ وهو قوله تعالى : (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ ؛) ومن رفع فتقديره (٢) : فهو يغفر لمن يشاء (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) أى : الأمر اليه فى المغفرة والعذاب. ([وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ])
٢٨٥ ـ قوله تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ)
قال الزّجاج : لمّا ذكر الله عزوجل فى هذه السّورة فرض الصّلاة والزّكاة ، والطّلاق والإيلاء والجهاد ختم السّورة بذكر تصديق نبيّه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، والمؤمنين بجميع ذلك ، وهو قوله : (كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ).
وقرأ حمزة : (وكتابه) على التّوحيد (٣) ، أراد اسم الجنس ، كقولهم : كثر الدّرهم فى أيدى النّاس : يراد به الجمع وإن أفرد.
وقوله : (لا نُفَرِّقُ) أى : يقولون لا نفرّق (بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) و
ومعناه : لا نفعل كما فعل أهل الكتاب ، حيث آمنوا ببعض الرّسل وكفروا ببعض ، بل نجمع بين الرّسل كلّهم فى الإيمان بهم.
(وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) أى : سمعنا قوله ، وأطعنا أمره (غُفْرانَكَ رَبَّنا) أى : اغفر غفرانك. ويستغنى بالمصدر عن الفعل فى الدّعاء ، نحو «سقيا ورعيا» (٤). (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) هذا إقرار منهم بالبعث.
٢٨٦ ـ قوله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)
«الوسع» : اسم لما يسمع الإنسان ، ولا يضيق عنه. وهذه الآية نسخت قوله : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ ...)(٥) الآية.
__________________
(١) «قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائى وخلف بالجزم ، وافقهم اليزيدى والأعمش. وقرأ الباقون برفع الراء والباء ...» انظر (إتحاف البشر ١٦٧) و (تفسير القرطبى ٣ : ٤٣٣ ـ ٤٣٤) و (البحر المحيط ٢ : ٣٦٠)
(٢) ب : «فبتقدير».
(٣) وهى قراءة ابن عباس ، وكذا الكسائى وخلف ، وافقهم الأعمش ، على أن المراد القرآن أو الجنس. وقرأ الباقون بالجمع. انظر (إتحاف البشر ١٦٧) و (تفسير الكشاف ١ : ٩١) و (تفسير القرطبى ٣ : ٤٢٨).
(٤) قال الفراء : «هو مصدر وقع موقع الأمر فنصب ...» انظر (معانى القرآن للفراء ١ : ١٨٨).
(٥) سورة البقرة : ٢٨٤. هذا النسخ رواه البخارى عن ابن عمر ، ورواه مسلم عن أبى هريرة. انظر (صحيح البخارى ، كتاب التفسير ٣ : ١٠٩) و (صحيح مسلم ، باب بيان تجاوز الله تعالى عن حديث النفس ١ : ٣٣٠ ـ ٣٣١).