يريد قد أثم قلبه وفجر.
قال المفسّرون : ذكر الله تعالى على كتمان الشّهادة نوعا من الوعيد لم يذكره فى سائر الكبائر ؛ وهو (١) إثم القلب. ويقال إثم القلب سبب مسخه ؛ والله تعالى إذا مسخ قلبا جعله منافقا وطبع عليه ـ نعوذ بالله من ذلك ـ. (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ.)
٢٨٤ ـ قوله عزوجل : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا ، وهو مالك أعيانه يملك تصريفه وتدبيره (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ)(٢).
قال ابن عباس فى رواية سعيد بن جبير وعطاء : هذه الآية منسوخة ؛ وذلك أنّها لما نزلت جاء أبو بكر ، وعمر ، وعبد الرحمن بن عوف ، ومعاذ بن جبل ؛ وناس إلى النّبىّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، وقالوا : كلّفنا من العمل ما لا نطيق ؛ إنّ أحدنا ليحدّث نفسه بما لا يحبّ أن يثبت فى قلبه ، وأنّ له الدّنيا.
فقال النبى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «فلعلّكم تقولون كما قالت بنو إسرائيل : سمعنا وعصينا (٣). قولوا : سمعنا وأطعنا» فقالوا : سمعنا وأطعنا ؛ واشتدّ ذلك عليهم ومكثوا حولا ؛ فأنزل الله تعالى الفرج والرّحمة بقوله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ، فنسخت هذه الآية ما قبلها ؛ فقال النّبى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «إنّ الله تجاوز لأمّتى ما حدّثوا به أنفسهم ما لم يعملوا أو يتكلّموا به» (٤).
وهذا قول ابن مسعود وأبى هريرة والقرظىّ وابن سيرين والكلبىّ / وقتادة.
وقوله : (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ)
__________________
(١) ب : «وهم» وهو خطأ.
(٢) حاشية ج : «معناه : وإن تبدو ما فى أنفسكم أيها الشهود من كتمان الشهادة ، أو تخفوا الكتمان».
(٣) هذا النص اقتباس من سورة البقرة ، آية ٩٣.
(٤) هذا الحديث أخرجه البخارى ومسلم وابن ماجه عن أبى هريرة ، بألفاظ مختلفة. انظر (صحيح البخارى ـ كتاب الطلاق ـ باب الطلاق فى الإغلاق والكره ـ ٣ : ٢٧٢) و (صحيح مسلم ـ باب بيان تجاوز الله تعالى عن حديث النفس ١ : ٣٣١ ـ ٣٣٢) و (سنن ابن ماجه ـ باب من طلق فى نفسه ولم يتكلم به ١ : ٦٥٨ حديث ٢٠٤٠) و (أسباب النزول للواحدى ٨٩) ورأى أبى جعفر النحاس فى كتابه (الناسخ والمنسوخ ٨٥ ـ ٨٦).