ومعنى (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) أى : تغيب عن حفظها ، أو يغيب حفظها عنها (١) ، يعنى إحدى المرأتين (فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) هذا من التّذكير بعد النّسيان ؛ تقول لها : هل تذكرين يوم شهدنا فى موضع كذا ، وبحضرتنا فلان أو فلانة؟ حتّى تذكر الشّهادة. والتقدير : فتذكّر إحداهما الأخرى الشهادة التى احتملتاها.
ومن قرأ (فَتُذَكِّرَ)(٢) من الإذكار ، فهو بهذا المعنى أيضا. يقال : أذكره الشّىء وذكّره ، مثل فرّحه وأفرحه ؛ وهو كثير.
وقرأ حمزة (إن تضلّ) ـ بكسر الألف ـ (فتذكّر) بالرفع (٣) ، وجعل «إن» للجزاء ، و «تضلّ» فى موضع جزم ، وحرّكت بالفتح لالتقاء السّاكنين ؛ كقوله : (مَنْ يَرْتَدَّ)(٤) ؛ والفاء فى قوله : (فَتُذَكِّرَ) جواب الجزاء ؛ كقوله : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ)(٥).
قوله : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا)
هذا فى تحمّل الشهادة /. وكلّ من دعى ليتحمّل شهادة ، وجب عليه ترك الإباء ، فى قول قتادة والرّبيع.
وقال الشّعبىّ : هذا إذا لم يوجد غيره ، فتتعيّن عليه الإجابة ؛ فإن وجد غيره ممّن يتحمّل الشّهادة فهو مخيّر. وقال آخرون : هذا فى إقامة الشّهادة. قال ابن عبّاس فى رواية عطاء : يريد إذا استودعته «الشّهادة» (٦) ، ثم احتجت إلى شهادته ، فلا ينبغى له أن يتخلّف عنك ، حتّى يأتى معك إلى الحاكم فيؤدّيها (٧).
__________________
(١) انظر (اللسان ـ مادة : ضلل).
(٢) قال ابن حيان : «وسكن الذال وخفف الكاف ابن كثير وأبو عمرو ؛ وفتح الذال وشدد الكاف الباقون من السبعة» انظر (تفسير البحر المحيط ٢ : ٣٤٩) و (إتحاف البشر ١٦٦) و (الفخر الرازى ٢ : ٣٨٦).
(٣) ووافقه الأعمش. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم والكسائى وأبو جعفر وخلف «أن» بالفتح ..» و «تذكر» بتشديد الكاف ونصب الراء .. ؛ وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب : «أن» كذلك ، ونصب «تذكر» لكن بتخفيف الكاف .. ، وافقهم ابن محيصن واليزيدى والحسن. انظر (إتحاف البشر ١٦٦) و (البحر المحيط ٢ : ٣٤٩) و (الفخر الرازى ٢ : ٣٨٦).
(٤) سورة المائدة : ٥٤.
(٥) سورة المائدة : ٩٥.
(٦) الإثبات عن أ ، ب.
(٧) راجع هذه الأقوال فى (تفسير القرطبى ٣ : ٣٩٨) و (البحر المحيط ٢ : ٣٥٠) و (الفخر الرازى ٢ : ٣٨٦).