وقراءة العامّة : (لا تَيَمَّمُوا) مخفّفة التّاء على حذف إحدى التّاءين ؛ لأنّ الأصل «لا تتيمّموا» ؛ وقرأ ابن كثير مشدّدة التّاء على الإدغام (١).
وقوله : (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ) أى : بآخذى ذلك الرّدى الخبيث لو كان لكم على إنسان حقّ (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) و «الإغماض» فى اللغة : غضّ البصر وإطباق جفن على جفن ، ثم صار عبارة عن التّسامح والتّساهل فى البيع وغيره.
يقول : أنتم لا تأخذونه إلا بتساهل ، فكيف تعطونه فى الصّدقة؟ (٢)
وفى هذا بيان أنّ الفقراء شركاء ربّ المال (٣) فى ماله ، فإذا كان ماله جيّدا فهم شركاؤه فى الجيّد ، والشّريك لا يأخذ الرّديء من الجيّد إلّا بالتّساهل.
أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الصّوفىّ ، أخبرنا عمرو بن مطر (٤) ، أخبرنا أحمد بن الحسين بن نصر الحذّاء ، أخبرنا علىّ المدينى ، حدّثنا يحيى بن سعيد ، حدّثنا عبد الحميد بن جعفر ، حدّثنى صالح بن أبى عريب ، عن كثير بن مرّة ، عن عوف ابن مالك الأشجعىّ قال :
خرج علينا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ونحن فى المسجد ـ وبيده عصا ، وقد علّق رجل منّا قنو حشف (٥) ، فجعل رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم يطعن القنو بالعصا ، ويقول : «لو أنّ صاحب هذا» أو قال (٦) : «ربّ هذا تصدّق بصدقة
__________________
(١) لأنه كان فى الأصل تاءان ، تاء المخاطبة وتاء الفعل ، فأدغم أحدهما فى الأخرى ؛ وقرأ الباقون بفتح التاء مخففة. انظر (الفخر الرازى ٢ : ٣٥٧) و (إتحاف البشر ١٦٣ ـ ١٦٤) و (تفسير القرطبى ٣ : ٣٢٦).
(٢) حاشية ج : «هذا إذا كان كله جيدا فليس له إعطاء الردىء ، فإن كان ماله رديئا فلا بأس بإعطاء الردىء».
(٣) أ ، ب : «شركاء ذى المال».
(٤) ب : «أبو عمرو بن مطر».
(٥) «القنو : العذق بما فيه من الرطب. والحشف : اليابس الفاسد من التمر. قال الجوهرى : الحشف : أردأ التمر» كما فى (اللسان ـ مادة : حشف ، قنا).
(٦) حاشية ج : «على ترديد الراوى».