وقوله : (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) أى : لأن آتاه الله. يريد : بطر (١) الملك حمله على محاجّة إبراهيم.
قال ابن عباس : إنّ إبراهيم دخل بلدة نمروذ ليمتار ، فأرسل إليه (٢) نمروذ ، وقال : من ربّك؟ (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ : رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ، قالَ) نمروذ : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ :) أقتل من شئت ، وأستحيى من شئت ؛ فسمّى ترك القتل إحياء (٣) ، وعارضه فى الحجّة بالعبارة ، دون فعل حياة أو موت على سبيل الاختراع.
وقرأ نافع (أَنَا) بإثبات ألف بعد النّون (٤) ؛ وذلك إنّما يجوز فى الوقف دون الوصل ، ولكنّه أجرى الوصل مجرى الوقف ، وأثبت الألف ، كما أنشد الكسائى :
أنا سيف العشيرة فاعرفونى |
|
حميد قد تذرّيت السّناما (٥) |
فاحتجّ إبراهيم بحجّة مسكتة لا يمكنه أن يقول : أنا أفعل ذلك ؛ وهو قوله : (قالَ إِبْراهِيمُ : فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) أى : تحيّر وأسكت وانقطعت حجّته. يقال : بهت الرجل فهو مبهوت (٦) ؛ إذا تحيّر. قال عروة :
فما هو إلّا أن أراها فجاءة |
|
فأبهت حتّى ما أكاد أجيب (٧) |
__________________
(١) «البطر : الطغيان عند النعمة وطول الغنى» : (اللسان ـ مادة : بطر).
(٢) ب : «ليمتار فأرسل الله إليه ..». «الميرة : الطعام يمتاره الإنسان. وقد مار أهله يميرهم ميرا ، والامتيار مثله» كما فى (اللسان ـ مادة : مير).
(٣) حاشية ج : «قال فى الكواشى : فعمد إلى رجلين فقتل أحدهما وترك الآخر ، فجعل ترك القتل إحياء».
(٤) وكذا أبو جعفر ـ وذلك إذا كان بعدها همزة مفتوحة أو مضمومة ؛ وقرأ الباقون بحذف الألف ، وأجمعوا على إثباتها فى الوقف. انظر (تفسير البحر المحيط ٢ : ٢٨٨) و (إتحاف البشر ١٦٢ ـ ١٦٣).
(٥) هذا البيت فى (تفسير القرطبى ٣ : ٢٨٧) وفى (اللسان ـ مادة : أنن) برواية : «جميعا قد تذريت السناما» حاشية ج : «تذريت من الذروة. يقال : تذريت السناما ؛ أى : علوته».
(٦) «قال الواحدى : وفيه ثلاث لغات : بهت الرجل فهو مبهوت ، وبهت [بفتح الباء المعجمة وضم الهاء] ، وبهت [بفتح الباء وكسر الهاء]». كما فى (الفخر الرازى ٢ : ٣٣٧) وانظر (مجاز القرآن لأبى عبيدة ١ : ٧٩).
(٧) هذا البيت لعروة العذرى ، كما فى (الفخر الرازى ٢ : ٣٣٧) وفى (أساس البلاغة ـ مادة : بهت) برواية «وما هى ...».