(مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) يعنى : من بعد ما وضحت لهم البراهين (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ) «من» (١) ثبت على إيمانه (وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) كالنّصارى بعد المسيح اختلفوا فصاروا فرقا ثم تحاربوا (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا) كرّر المشيئة باقتتالهم تأكيدا للأمر ؛ وتكذيبا لمن زعم أنّهم فعلوا ذلك من عند أنفسهم ، لم يجر به قضاء من الله تعالى ولا قدر (٢) ؛ ثم قال : (وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) فيوفّق من يشاء فضلا ، ويخذل من يشاء عدلا.
٢٥٤ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ.)
قال الحسن : أراد الزكاة المفروضة (٣). وقال أبو إسحاق : أى أنفقوا فى الجهاد (٤) ، وليعن بعضكم بعضا عليه.
(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ) يعنى : يوم القيامة ، يريد : لا يؤخذ فى ذلك اليوم بدل ولا فداء ؛ فذكر لفظ «البيع» لما فيه من المعاوضة (٥). وأخذ البدل ، (وَلا خُلَّةٌ) و «الخلّة» : مصدر الخليل (٦). والخلّة تنقطع يوم القيامة بين الأخلاء إلّا المتقين ، كقوله : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)(٧)
وقوله : (وَلا شَفاعَةٌ) إنّما نفى الشّفاعة عامّا (٨) ، لأنّه أراد الكافرين ، بأنّ
__________________
(١) الإثبات عن أ ، ب.
(٢) حاشية ج : «قال الفاضل فى المعالم : سأل رجل على بن أبى طالب رضى الله عنه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرنى عن القدر. فقال : طريق مظلم لا تسلكه ؛ فأعاد السؤال. فقال : بحر عميق فلا تلجه. فأعاد السؤال ؛ فقال : سر الله قد خفى عليك فلا تفتشه».
(٣) على ما فى (تفسير القرطبى ٣ : ٢٦٦) و (البحر المحيط ٢ : ٢٧٥) و (الوجيز للواحدى ١ : ٧٣) و (الفخر الرازى ٢ : ٣٢١).
(٤) هذا قول الأصم. والدليل عليه أنه مذكور بعد الأمر بالجهاد ؛ على ما فى (البحر المحيط ٢ : ٢٧٥) و (الفخر الرازى ٢ : ٣٢١) وقال ابن جريج والأكثرون الآية عامة فى كل صدقة واجبة أو تطوع ، كما فى (تفسير القرطبى ، ٣ : ٢٦٦).
(٥) أ ، ب : «من المقايضة».
(٦) فى (مجاز القرآن لأبى عبيدة ١ : ٧٨) «تقول بخلاف خلتى ، أى خليلى».
(٧) سورة الزخرف : ٦٧.
(٨) حاشية ج : «الشفاعة الواقعة فى القرآن هنا : عام ، لأنها نكرة فى سياق النفى فتعم ؛ وإنما أتى بالشفاعة عاما ـ مع أن بعضا من أفرادها ينفع ؛ لأن المراد من الآية : أن هذه الأشياء ؛ وهى : البيع ، والخلة ، والشفاعة لا تنفع الكفار ، ولا يخفى أنه لا ينفع الكافر شىء من أفراد الشفاعة».