وقوله : (وَتُدْلُوا بِها) أى : لا تدلوا بأموالكم (إِلَى الْحُكَّامِ) أى : لا تصانعوهم بها ، ولا ترشوهم ليقتطعوا لكم حقّا لغيركم وأنتم تعلمون أنّه لا يحلّ لكم.
ومعنى «الإدلاء» فى اللّغة : إرسال الدّلو وإلقاؤها / فى البئر ؛ ومنه قوله تعالى :
(فَأَدْلى دَلْوَهُ)(١) ثم جعل كلّ إلقاء قول أو فعل إدلاء
يقال للمحتجّ : أدلى بحجّته ، كأنّه يرسلها إلى مراده إدلاء المستقى الدّلو ليصل إلى مطلوبه من الماء. وفلان يدلى إلى الميت بقرابة أو رحم (٢) ؛ إذا كان يمتّ (٣) إليه.
فمعنى (وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ) : تتقرّبون وتتوصّلون بتلك الأموال إليهم ، ليحكموا لكم (٤) ؛ وهو قوله : (لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً) أى : طائفة (مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ)
قال ابن عباس : باليمين الكاذبة (٥). وقال غيره : بالباطل. يعنى : بأن ترشوا الحاكم ليقضى لكم (٦)(وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنّكم مبطلون ، وأنّه لا يحلّ لكم.
١٨٩ ـ قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ...)(٧) الآية.
(الْأَهِلَّةِ) : جمع الهلال (٨) ؛ وهو غرّة القمر حين يراها الناس. سمّيت هلالا ؛ لأن الناس يهلّون بذكر الله ، وبذكرها ـ حين يرون ـ. أى : يرفعون أصواتهم.
قال معاذ بن جبل : يا رسول الله ، إنّ اليهود تغشانا ، ويكثرون مسألتنا عن
__________________
(١) سورة يوسف : ١٩.
(٢) أ : «أو رحمه».
(٣) حاشية ج : «من المت ؛ وهو التقرب. والمت : توصل بقرابة ، والمآتة : الحرمة والوسيلة. تقول : فلان بمت إليك بقرابة».
(٤) قال الفراء : والمعنى : لا تصانعوا الحكام ليقتطعوا لكم حقا لغيركم وأنتم تعلمون أنه لا يحل لكم» (اللسان ـ مادة : دلى).
(٥) كما فى (تنوير المقباس ١ : ٩١).
(٦) أ : «بأن يرشوا الحاكم ليقضى له». انظر (الوجيز للواحدى ١ : ٤٩).
(٧) حاشية ج : «أى : عن زيادة القمر ونقصانه».
(٨) ج : «جمع هلال».