وقوله تعالى : (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ).
أى : كونوا بتكويننا إيّاكم وتغييرنا خلقكم. وهذا (١) أمر حتم ليس للمأمور فيه اكتساب (٢) ، ولا يقدر على دفعه عن نفسه.
و «القردة» : جمع قرد. يقال : قرد وثلاثة أقردة وقرود ، وقردة كثيرة.
وقوله تعالى : (خاسِئِينَ) «الخسء» : الطّرد والإبعاد. يقال : خسأته فخسأ وانخسأ ؛ فهو واقع ومطاوع (٣). قال الفرّاء والكسائىّ : يقال : خسأته خسأ ، فخسأ خسوءا ، مثل رجعته رجعا فرجع رجوعا. وتقدير الآية : كونوا خاسئين قردة ؛ لأنه لو لا التقديم والتأخير لكان قردة خاسئة (٤).
يخوّف الله تعالى اليهود بهذه الآية فى تركهم الإيمان بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، ويذكّرهم ما أصاب من المسخ للذين (٥) اعتدوا فى السّبت ؛ وهو قوله تعالى :
٦٦ ـ (فَجَعَلْناها نَكالاً ...) الآية.
الكناية راجعة إلى القردة (٦). وقال الفرّاء : الكناية راجعة (٧) إلى المسخة ، لأنّ معنى (كُونُوا قِرَدَةً) : مسخناهم قردة ، فوقعت الكناية عن الكلام المتقدّم.
و «النّكال» اسم لما جعلته (٨) نكالا لغيره إذا رآه خاف أن يعمل عمله ؛ من قولهم : نكل عن الأمر ينكل نكولا ؛ إذا جبن عنه.
__________________
(١) حاشية ج : «قوله : هذا ، أى كونوا أمر تحويل ، لأنهم لم يكن لهم قدرة على التحول من صورة إلى صورة ، فمسخ الشباب قردة ، والشيوخ خنازير لهم أذناب يتعاوون ، وهو من العواء ، وهو صوت الكلب».
(٢) حاشية ج : «أى : لا يحصل المأمور بفعله أى قدرة عليه ، فهذا لا يكون أمرا ، بل معناه : كونوا ، أى : صيروا».
(٣) حاشية ج : «واقع ، أى : متعد ، ومطاوع ، أى : لازم».
(٤) حاشية ج : «أى لأنه لو كان صفة لقردة لوجب أن يكون خاسئة لا خاسئين».
(٥) أ : «ما أصاب لهم من المسخ الذين» تحريف.
(٦) أ ، ب : «الكناية تعود».
(٧) كما فى (معانى القرآن للفراء ١ : ٤٣) و (الفخر الرازى ١ : ٣٨٥) وهو قول ابن عباس ، على ما فى (تفسير الطبرى ٢ : ١٧٥) و (الدر المنثور ١ : ٧٦) وبنحوه فى (تفسير القرطبى ١ : ٤٤٣) و (البحر المحيط ١ : ٣٤٦).
(٨) ب : اسم لما جعله».