(يَسْتَحْيُونَ) : يستفعلون من الحياة ؛ والمعنى : يستبقونهنّ أحياء (١) ولا يقتلونهنّ ؛ ومنه الحديث : «اقتلوا شيوخ المشركين ، واستحيوا شرخهم» (٢).
واسم «النّساء» يقع على الصّغار والكبار ؛ وهم كانوا يستبقون البنات ، لا يقتلونهنّ. (٣)
والخطاب لبنى إسرائيل يذكّرهم الله تعالى النّعمة عليهم ـ حين أنجاهم من عدوّهم ، الذين كانوا يذيقونهم شدّة العذاب ، بذبح الأبناء ، واستبقاء النّساء ، ثم قال :
(وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)
«البلاء» : اسم ممدود من البلو (٤) ؛ وهو الاختبار والتّجربة. يقال : بلاه يبلوه بلوا ؛ إذا جرّبه.
و «البلاء» يكون حسنا ويكون سيّئا ؛ والله ـ عزوجل ـ يبلو عباده بالصّنيع الحسن ، ليمتحن شكرهم عليه ؛ ويبلوهم بالبلوى التى يكرهونها ليمتحن صبرهم.
فقيل : للحسن بلاء ، وللسّيّئ بلاء ؛ لأنّ أصلهما المحنة (٥) ؛ ومنه قوله تعالى : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ)(٦) ، وقال : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)(٧).
والذى فى هذه الآية يحتمل الوجهين ؛ فإن حملته على الشّدّة كان معناه : فى استحياء البنات للخدمة ، وذبح البنين بلاء ومحنة ؛ وهو قول ابن عباس فى رواية عطاء والكلبىّ.
__________________
(١) ب : «يستبقوهن أحياء» انظر (الوجيز للواحدى ١ : ١٣).
(٢) رواه أحمد فى مسنده ، وأبو داود فى سننه ، والترمذى فى صحيحه عن سمرة ؛ ورمز له السيوطى بعلامة الصحيح الحسن. انظر (شرح الجامع الصغير للمناوى ١ : ٨٦). حاشية ج : «شرخ : جمع شارخ ، وشرخهم ، أى : شبابهم».
(٣) ب : «ولا يقتلونهن».
(٤) ب : «من البلوى». انظر (اللسان ـ مادة : بلا).
(٥) حكى هذا المعنى عن أبى الهيثم ، كما فى (الغريبين للهروى ١ : ٢١٠) وبنحوه فى (تفسير الطبرى ٢ : ٤٩).
(٦) سورة الأعراف : ١٦٨.
(٧) سورة الأنبياء : ٣٥. قال ابن قتيبة : أى نختبركم بالشر لنعلم كيف صبركم ، وبالخير لنعلم كيف شكركم (فتنة) ، أى اختبار». (تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة : ٣٦٠).