ثم دليل الخطاب أن تقتلها بالحقّ (١) ، وذلك بذبحها بسكين المخالفات ، فما فلاحك إلا بقتل نفسك التي بين جنبيك.
قوله جل ذكره : (يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (٦٩))
يضاعف لهم العذاب يوم القيامة بحسرات الفرقة وزفرات الحرقة. وآخرون يضاعف لهم العذاب اليوم بتراكم الخذلان ووشك الهجران ودوام الحرمان. بل من كان مضاعف العذاب فى عقباه فهو الذي يكون مضاعف العذاب فى دنياه ؛ جاء فى الخبر : من كان بحالة لقى الله بها.
قوله جل ذكره : (إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٠))
(إِلَّا مَنْ تابَ) من الذنب فى الحال ؛ وآمن فى المآل.
ويقال (وَآمَنَ) أن نجاته بفضل الله لا بتوبته ، (وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) لا ينقض توبته.
ويقال إن نقض توبته عمل صالحا أي جدّد توبته ؛ (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ). ويخلق لهم التوفيق بدلا من الخذلان (٢).
ويقال يبدل الله سيئاتهم محسنات فيغفر لهم ويثيبهم على توبتهم.
ويقال يمحو ذلّة زلّاتهم ، ويثبت بدلها الخيرات والحسنات ، وفى معناه أنشدوا :
ولما رضوا بالعفو عن ذى زلة |
|
حتى أنالوا كفّه وأفادوا |
قوله جل ذكره : (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (٧٢) وَالَّذِينَ
__________________
(١) تذكر كيف يفرق القشيري بين حظ النفس وحق الله ، ولاحظ كيف أحسن استغلال الاستثناء هنا (قتل النفس إلا بالحق) أي ذبحها بسكين المجاهدات في سبيل حق الله.
(٢) واضح من هذا الرأى مدى اتساع صدور الصوفية للأمل في الأخذ بيد العصاة ، فرحمة الله ـ فى نظرهم ـ أكثر رجابة من أن تضيق في وجه من عثرت أقدامه.