مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠))
ظلمات الحسبان ، وغيوم التفرقة ، وليالى الجحد ، وحنادس الشّكّ إذا اجتمعت فلا سراج لصاحبها ، ولا نجوم ، ولا أقمار ولا شموس .. فالويل ثم الويل!
قوله : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) : إذا لم يسبق لعبد نور القسمة ، ولم يساعده تعلّق فجهده وكدّه ، وسعيه وجدّه عقيم من ثمراته ، موئس من نيل بركاته. والبدايات غالبة للنهايات ؛ فالقبول لأهله غير مجتلب ، والردّ لأهله غير مكتسب. وسعيد من سعد بالسعادة فى علمه فى آزاله ، وأراد كون ما علم من أفعاله يكون ، وأخبر أن ذلك كذلك يكون ، ثم أجرى ذلك على ما أخبر وأراد وعلم (١).
وهكذا القول فى الشقاوة ؛ فليس لأفعاله علّة ، ولا تتوجّه عليه لأحد حجّة.
قوله جل ذكره : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٤١))
التسبيح على قسمين : تسبيح قول ونطق ، وتسبيح دلالة وخلق ؛ فتسبيح الخلق عام من كل مخلوق وعين وأثر ، منه تسبيح خاصّ بالحيوانات ، وتسبيح خاص بالعقلاء وهذا منقسم إلى قسمين : تسبيح صادر عن بصيرة ، وتسبيح حاصل من غير بصيرة ؛ فالذى قرينته البصيرة مقبول ، والذي تجرّد عن العرفان مردود.
قوله جل ذكره : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٤٢))
__________________
(١) هذا شرح جميل لفكرة القشيري عن : «الله خالق أفعال العباد» التي هى إحدى أصول عقيدته الكلامية.