بالمشكاة ، وشبّه قلبه فى صدره بالقنديل فى المشكاة ، وشبّه القنديل ـ الذي هو قلبه ـ بالكوكب الدرىّ ، وشبه إمداده بالمعرفة بالزيت الصافي الذي يمدّ السراج فى الاشتعال. ثم وصف الزيت بأنّه على كمال إدراك زيتونه من غير نقصان أصابه ، أو خلل مسّه. ثم وصف ذلك الزيت ـ فى صفوته ـ بأنه بحيث يكاد يضىء من غير أن تمسّه نار.
ويقال إن ضرب المثل لمعرفة المؤمن بالزيت أراد به شريعة المصطفى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ودينه الحنيفي ، فما كان يهوديا ـ وهم الذين قبلتهم إلى جانب المغرب ، ولا نصرانيا ـ وهم الذين قبلتهم فى ناحية المشرق.
وقوله : (نُورٌ عَلى نُورٍ) : نور اكتسبوه بجهدهم بنظرهم واستدلالهم ، ونور وجدوه بفضل الله فهو بيان أضافه إلى برهانهم ، أو عيان أضافه إلى بيانهم ، فهو نور على نور.
ويقال أراد به قلب محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ونور معرفته موقد من شجرة هى إبراهيم عليهالسلام ، فهو صلىاللهعليهوسلم على دين إبراهيم.
قوله : (لا شَرْقِيَّةٍ) بحيث تصيبه الشمس بالعشي دون الغداة ، ولا غربية بحيث تصيبه الشمس بالغداة دون العشى ، بل تصيبه الشمس طول النهار ليتمّ نضج زيتونه ، ويكمل صفاء زيته. والإشارة فيه أنه لا ينفرد خوف قلوبهم عن الرجاء فيقرب من اليأس ، ولا ينفرد رجاؤهم عن الخوف فيقرب من الأمن ، بل هما يعتدلان ؛ فلا يغلب أحدهما الآخر ؛ تقابل هيبتهم أنسهم ، وقبضهم بسطهم ، وصحوهم محوهم ، وبقاؤهم فناءهم ، وقيامهم بآداب الشريعة تحقّقهم بجوامع الحقيقة (١).
ويقال (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) : أي أن هممهم لا تسكن شرقيا ولا غربيا ، ولا علويا ولا سفليا ، ولا جنيا ولا إنسيا ، ولا عرشا ولا كرسيا ، سطعت (٢) عن الأكوان ، ولم تجد سبيلا إلى الحقيقة ؛ لأن الحقّ منزّه عن اللحوق والدرك ، فبقيت عن الحق منفصلة ، وبالحق غير
__________________
(١) فالقلب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه بين طرفى الأحوال حتى يصفو له.
(٢) هكذا فى م وهى فى ص (شطحت) وربما قبلناها فالسياق لا يرفضها.