لم يغادر على وجه الدليل غبرة (١) ، ولم يترك الحقّ ـ سبحانه ـ للإشكال محلا ؛ بل أوضح المنهاج وأضاء السّراج ، وأنار السبيل وألاح الدليل ، فمن أراد أن يستبصر فلا يلحقه نصب ، ولا يمسّه تعب.
قوله جل ذكره : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)
أي هادى أهل السماوات والأرض ، ومنه نورهما. والذي منه الشيء يسمى باسمه الشيء.
ومنه نور السماوات والأرض خلقا ؛ فنظام السماوات والأرض وإحكامها وترتيبها بوصف إتقانها حاصل بالله تعالى.
ويقال نور السماوات والأرض أي منوّرها وخالق ما فيها من الضياء والزينة ، وموجد ما أودعها من الأدلة اللائحة.
ويقال نوّر الله السماء بنجومها فقال : (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) (٢) فكذلك زين القلوب بأنوار هى نور العقل ونور الفهم ونور العلم ونور اليقين ونور المعرفة ونور التوحيد (٣) ، فلكلّ شىء من هذه الأنوار مطرح شعاع بقدره فى الزيادة والنقصان.
قوله جل ذكره : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
قوله (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ ..) : أراد بهذا نور قلب المؤمن وهو معرفته ، فشبّه صدره
__________________
(١) الغبرة ـ لطخ الغبار.
(٢) آية ١٢ سورة فصلت.
(٣) نلفت النظر إلى أهمية هذا الترتيب فى توضيح مراحل المعرفة عند الصوفية وهى تتدرج فى الضياء من السراج إلى النجم إلى القمر إلى البدر إلى الشمس إلى شمس الشموس.