وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ (٥٩))
لو وقفوا مع الله بسرّ الرضا لأتتهم فنون العطاء وتحقيقات المنى ، ولحفظوا مع الله ـ عند الوجدان (١) ـ ما لهم من الأدب ، من غير معاناة تعب ، ولا مقاساة نصب .. ولكنّهم عرّجوا فى أوطان الطمع فوقعوا فى الذّلّ والحرب.
قوله جل ذكره : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ)
(٢) تكلّم الفقهاء فى صفة الفقير ، والفرق بينه وبين المسكين لما احتاجوا إليه فى قسمة الزكاة المفروضة .. فأبو حنيفة رحمة الله عليه ـ يقول : المسكين الذي لا شىء له. والفقير الذي له بلغة من العيش.
ويقول الشافعي رحمة الله عليه : الفقير الذي لا شىء له ، والمسكين الذي له بلغة من العيش ـ أي بالعكس.
وأهل المعرفة اختلفوا فيه ؛ فمنهم من قال بالأول ، ومنهم من قال بالقول الثاني ، واختلافهم ليس كاختلاف الفقهاء ؛ وذلك لأن كلّ واحد منهم أشار إلى ما هو حاله ووقته ووجوده وشربه ومقامه. فمن أهل المعرفة من رأى أنّ أخذ الزكاة المفروضة أولى ، قالوا إن الله تعالى جعل ذلك ملكا للفقير ، فهو أحلّ له مما يتطّوع به عليه.
ومنهم من قال : الزكاة المفروضة مستحقة لأقوام ، ورأوا الإيثار على الإخوان أولى من أن يزاحموا أرباب السهمان ـ مع احتياجهم أخذ الزكاة ـ وقالوا : نحن آثرنا الفقر اختيارا. فلم نأخذ الزكاة المفروضة؟
__________________
(١) أي عند وجود النعمة
(٢) نلفت النظر إلى أهمية موقف القشيري عند استخراج إشارات من هذه الآية الكريمة ، فقد كانت فرصة جيدة لكى يقارن بين نظرة الفقهاء ونظرة الصوفية