مواضع سرّه ، والنفوس خزائن توفيقه ، والقلوب خزائن تحقيقه ، واللسان خزانة ذكره.
ويقال من عرف أن خزائن الأشياء عند الله تقاصرت خطاه عن التردد على منازل الناس فى طلب الإرفاق منهم ، وسعى فى الآفاق فى طلب الأرزاق منها ، قاطعا أمله عن الخلق ، مفردا قلبه لله متجردا عن التعلّق بغير الله.
قوله : (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) : عرف القسمة من استراح عن كدّ الطلب ؛ فإنّ المعلوم لا يتغير ، والمقسوم لا يزيد ولا ينقص ، وإذا لم يجب عليه شىء لأحد فبقدرته على إجابة العبد إلى طلبته لا يتوجب عليه شىء.
ويقال أراح قلوب الفقراء من تحمّل المنّة من الأغنياء مما يعطونهم ، وأراح الأغنياء من مطالبة الفقراء منهم شيئا ، فليس للفقير صرف القلب عن الله سبحانه إلى مخلوق واعتقاد منّة لأحد ، إذ الملك كله لله ، والأمر بيد الله ، ولا قادر على الإبداع إلا الله.
قوله جل ذكره : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً)
كما أن الرياح فى الآفاق مقدّمات المطر كذلك الآمال فى القلوب ، وما يقرب العبد مما يتوارد على قلبه من مبشرات الخواطر ، ونسيم النجاة فى الطلب يحصل ، فيستروح القلب إليه قبل حصول المأمول من الكفاية واللطف.
قوله جل ذكره : (فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ)
أسقاه إذا جعل له السّقيا ؛ كذلك يجعل الحق ـ سبحانه ـ لأوليائه ألطافا معلومة فى أوقات محدودة! كما قال فى وصف أهل الجنة : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا).
كذلك يجعل من شراب القلوب لكلّ وردا معلوما ، ثم قضايا ذلك تختلف :
فمن شراب يسكر ، ومن شراب يحضر ، ومن شراب يزيل الإحساس ، كما قيل :
فصحوك من لفظى هو الصحو كله |
|
وسكرك من لحظى يبيح لك الشّربا |
ويقال إذا هبت رياح التوحيد على الأسرار كنست آثار البشرية ، فلا للأغيار فيها أثر ، ولا عن الخلائق لهم خبر.