قال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) ادّعى الخيرية ، وكان الواجب عليه ـ لولا الشقوة ـ أن يؤثر التذلّل على التكبّر ، لا سيما والخطاب الوارد عليه من الحقّ.
ثم إنه وإن سلك طريق القياس فلا وجه له مع النّفس لأنه بحظ ، فلم يزده قياسه إلا فى استحقاق نفيه إذ ادّعى الخيرية بجوهره (١) ، ولم يعلم أن الخيرية بحكمه ـ سبحانه ـ وقسمته.
قوله جل ذكره : (قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣))
فارق بساط القربة ؛ فإنّ التكبّر والترفّع على البساط ترك للأدب ، وترك الأدب يوجب الطرد.
ويقال من رأى لنفسه محلا أو قيمة فهو متكبّر ، والمتكبّر بعيد عن الحق سبحانه ، ورؤية المقام قدح فى الربوبية إذ لا قدر لغيره تعالى ، فمن ادّعى لنفسه محلا فقد نازع الربوبية.
قوله جل ذكره : (قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥))
أجاب دعاءه فى الحال ولكن كان ذلك مكرا به لأنه مكّنه من مخالفة أمره إلى يوم القيامة ، فلم يزده بذلك التمكين إلا شقوة. ليعلم الكافة أنه ليس كل إجابة للدعاء نعمة ولطفا بل قد تكون بلاء ومكرا.
قوله جل ذكره : (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦))
جاهر الحقيقة بالخلاف بعد ما أظهر من نفسه غاية الخلوص فى العبودية ، فعلم أن جميع ما كان منه فى (سالف) (٢) حاله لم يصدر عن الإخلاص والصدق.
__________________
(١) حيث اعتبر النار خيرا من الطين.
(٢) وردت (سالك) والصواب أن تكون (سالف) اى سابق عهده قبل عصيانه.