واحد لا شريك له ، ثم ترك الاعتماد ونفى الاستناد ، لا على (حركاته) (١) يعتمد ، ولا إلى سكناته يستند ، (بل) (٢) ينتظر ما يفتح به التقدير ، فإن زاغ صاحب الاستقامة لحظة ، والتفت يمنة أو يسرة سقط سقوطا لا ينتعش.
قوله جل ذكره : (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ)
دار السلام أي دار السلامة ، ومن كان في رقّ شىء من (الأغراض) (٣) والمخلوقات لم يجد السلامة ، وإنما يجد السلامة من تحرر عن رقّ المكوّنات ، والآية تشير إلى أنّ القوم فى الجنة لكنهم ليسوا فى أسر الجنة ، بل تحرروا من رقّ كل مكوّن.
ويقال من لم يسلّم ـ اليوم ـ على نفسه وروحه وكلّ ماله من كل كريمة وعظيمة تسليم وداع لا يجد ـ غدا ـ ذلك الفضل ، فمن أراد أن يسلّم عليه ربّه ـ غدا ـ فليسلّم على (الكون) (٤) بجملته ، وأولا على نفسه وروحه.
ويقال دار السلام غدا لمن سلم ـ اليوم ـ لسانه عن الغيبة ، وجنانه عن الغيبة ، وأبشاره وظواهره من الزّلّة ، وأسراره وضمائره من الغفلة ، وعقله من البدعة ، ومعاملته من الحرام والشبهة ، وأعماله من الرياء والمصانعة ، وأحواله من الإعجاب.
ويقال شرف قدر تلك الدار لكونها فى محل الكرامة ، واختصاصها بعندية الزّلفة ، وإلا فالأقطار كلها ديار ، ولكن قيمة الدار بالجار ، قال قائلهم :
إنّى لأحسد دارا فى جواركم |
|
طوبى لمن أضحى لدارك جارا |
يا ليت جارك يعطينى من داره شبرا |
|
إذا لأعطيه بشبر دارا (٥) |
ويقال : وإن كانت الدار منزهة عن قبول الجار ، وليس القرب منه بتدانى الأقطار ، فإطلاق هذا اللفظ لقلوب الأحباب مؤنس ؛ بل لو جاز القرب فى وصفه من حيث المسافة لم يكن لهذا
__________________
(١) وردت (حرقاته) والصواب أن تكون (حركاته) لتتلاءم مع (سكتاته).
(٢) أضفنا (بل) ليتضح المعنى وهى غير موجودة فى النص.
(٣) (الأغراض) جمع غرض ، وليس بمستبعدان تكون (الأعراض) بالعين جمع عرض ، وكلاهما مقول.
(٤) وردت (السكون) وهى خطأ من الناسخ.
(٥) البيت الثاني مكسور ولكننا حرصنا على إثباته كما جاء فى النسخة.