نور العرفان ؛ فصاحب العقل مع البرهان ، وصاحب العلم مع البيان ، وصاحب المعرفة فى حكم العيان.
ويقال من وجد أنوار الغيب ظهرت له خفايا الأمور فلا يشكل عليه شىء من ذوات الصدور عند ظهور النور ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى».
ويقال أول أثر لأنوار الغيب فى العبد ينبّهه إلى نقائص قدره ومساوئ غيّه ، ثم يشغله عن شهود نفسه مما يلوح لقلبه من شهود ربه ، ثم غلبات الأنوار على سرّه حتى لا يشهد السرّ بعد ما كان يشهد ؛ كالنّاظر فى قرص الشمس تستهلك أنوار بصره فى شعاع الشمس كذلك تستهلك أنوار البصيرة فى حقائق الشهود ، فيكون العبد صاحب الوجود دون الشهود ثم بعده خمود العبد بالكلية ، وبقاء الأحدية بنعت السرمدية.
قوله جل ذكره : (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ).
وذلك حتى لا يسعى فى غير مراد الحق سبحانه (١) ، وحدّ البشرية ضيق القلب ، وصاحبه فى أسر الحدثان والأعلال ، ولا عقوبة أشدّ من عقوبة الغفلة عن الحق.
قوله جل ذكره : (وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦))
الصراط المستقيم إقامة العبودية عند تحقق الربوبية فهو فرق مؤيّد بجمع ، وجمع مقيد بشرع ، وإثبات للعرفان بغاية الوسع ، ونبو عن المخالفات بغاية الجهد ، والتحقق بأنّ المجرى
__________________
(١) تبدو فى هذه العبارة رائحة الحبرية ... نعم ، ولكنها جبرية الحب ، فالإرادة والمريد والمراد كلها تدور فى فلك الحب ، وهذا فرق بين النزعتين الكلامية البحتة والصوفية ، عند تصديهما لهذا الموضوع.