أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥))
الرخص جعلت للمستضعفين ، فأما الأقوياء فأمرهم الجدّ ، والأخذ بالاحتياط والتضييق ؛ إذ لا شغل لهم سوى القيام بحق الحق ، فإن كان أمر الظاهر يشغلهم عن مراعاة القلوب فالآخذ فى الأمور الظاهرة بالسهولة والأخف أولى من الاستقصاء فيما يمنع من مراعاة السر ، لأنه ترك بعض الأمور لما هو الأهم والأجلّ ، فمن نزلت درجته عن الأخذ بالأوثق والأحوط فمباح له الانحدار إلى وصف الترخص (١).
ثم قال فى آخر الآية : (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) : يعنى على مقاساة ما فيه الشدة ، وفى هذا نوع استمالة للعبيد حيث لم يقل اصبروا بل قال : (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ).
قوله جل ذكره : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٦))
لما عرّف النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأمّته أخبار من مضى من الأمم ، وما عملوا ، وما عاملهم به انتظروا ما الذي يفعل بهم ؛ فإن فيهم أيضا من ارتكب ما لا يجوز ، فقالوا : ليت شعرنا بأيّ نوع يعاملنا ... أبا لخسف أو بالمسخ أو بالعذاب أو بماذا؟
فقال تعالى : (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) نعرّفكم ما الذي عملنا بهم.
__________________
(١) القاعدة «أن الله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه» ولكن القشيري يرى بالنسبة لأرباب الأحوال أن (الرخصة فى الشريعة للمستضعفين واصحاب الحوائج والأشغال ، وهؤلاء الطائفة (الصوفية) ليس لهم شغل سوى القيام بحقه سبحانه ، ولهذا قيل إذا انحطّ الفقير عن درجة الحقيقة إلى رخصة الشريعة فقد فسخ عقده مع الله تعالى ، ونقض عهده فيما بينه وبينه سبحانه) الرسالة ص ١٩٩.