وبخاصة كتابه الجليل القدر «شكاية أهل السنة بحكاية ما نالهم من المحنة» ،
وهى قبل كل شىء وبعد كل شىء آية ثباته على مبدئه ، وأنه خليق أن يتصدّر المفكرين
الأحرار فى جيله.
وجاء السلطان
ألب أرسلان خلفا لعمه طغرل ، وبمجىء أرسلان ووزيره الهمام الفذ نظام الملك استقبل
العالم الإسلامى كله والأشاعرة بوجه خاص والقشيري بوجه أخص عهدا زاهرا آمنا ، وعاد
القشيري إلى مدينته الحبيبة نيسابور حيث قضى بها بقية عمره ، وقضى بها عشر سنوات (كان
فيها مرفها محترما ، ومطاعا معظما ، وأكثر صفوه فى آخر أيامه التي شاهدناه فيها
آخرا ، وازداد من يقرأ عليه كتبه وتصانيفه والأحاديث المسموعة له ، وما يؤول إليه
من نصرة المذهب حتى بلغ المنتمون إليه آلافا ، فأملوا تذكيره وتصانيفه أطراف) «تاريخ
نيسابور لعبد الغافر الفارسي حفيد القشيري».
وكان نظام
الملك أحد تلاميذه والمقربين إليه ، وأعاد الوزير ـ بفضل توجيه القشيري ـ للأشاعرة
وللزهاد وللعلماء كل ما فقدوه إبّان المحنة الأليمة من كرامة وحظوة.
أمّا أبناء
القشيري فلا نعرف له إلا بنتا واحدة هى أمة الرحيم أم عبد الغافر الفارسي (قاموس
الأعلام باللغة الأوزبكية ط اسطانبول سنة ١٣١٤ ص ٣٠٨٠).
ونعرف له ستة
أبناء كلهم عبادلة وكلهم أئمة ، سلكوا مسلك أبيهم وقد ترجم لهم السبكى فى طبقاته
كما تحدّث عنهم ابن عساكر وابن خلكان.
ولهذا ينبغى أن
نتحفظ فى نسبة الأقوال المنسوبة إلى القشيري فى بعض المراجع فقد تكون هذه الأقوال
صادرة عن أحد أبنائه فهم جميعا أشاعرة وهم جميعا شافعية وهم جميعا سلكوا طريق
الإرادة.
لبث القشيري فى
نيسابور فى أخريات حياته لم يكد يبرحها إلا لزيارة أقاربه فى البلاد المجاورة مثل
نسا وأبيورد ، ولكنه كان يعود مسرعا إلى نيسابور بعد كل زيارة.
وقبل أن تبزغ
شمس السادس عشر من ربيع الآخر من عام ٤٦٥ ه ، كانت روحه الطاهرة قد عادت إلى
بارئها. فوورى جثمانه إلى جوار صهره وشيخه وملهمه وصديقه أبى على الدقاق فى مقبرة
خاصة بالأسرة ما زالت قائمة حتى وقتنا الحاضر يزورها الناس للتبرك.
* * *