وقد وصف الخطيب البغدادي (صاحب تاريخ بغداد) مقدار إعجاب الناس بالقشيري ، وكان هو نفسه أحد تلاميذه حيث يقول (حدّثنا وكتبنا عنه وكان ثقة).
(تاريخ بغداد ج ١٠ ص ٨٣).
وذهب القشيري الحج ، وهناك التقى بصديقه الجويني وبعدد كبير من الأئمة الذين شردتهم المحنة طوال سنوات عديدة ، فاجتمعوا وتدارسوا أحوالهم ومستقبلهم ، واستقر رأيهم على أن يطيعوا كلمة واحد منهم مهما كانت هذه الكلمة حتى يتم الاتفاق على مبدأ ثابت يسرى عليهم جميعا ، ولم يكن ذلك الذي وقع عليه اختيار الجمع غير عبد الكريم القشيري.
فصعد المنبر ، وظل يتكلم ، وهم يجدون لكلامه وقعا مؤثرا على قلوبهم وعقولهم ، ثم مرّت لحظات صمت ، بعدها شخص القشيري ببصره إلى السماء ضارعا ثم أطرق ، والناس من حوله يتابعون أمره ، ويتفرّسون ملامحه ... ثم قبض على لحيته وصاح بصوت عال :
«يا أهل خراسان .. بلادكم بلادكم ، إن الكندري غريمكم يقطّع الآن إربا إربا ، وإنى أشاهده الساعة وقد تمزّقت أعضاؤه ثم أنشد :
عميد الملك ساعدك الليالى |
|
على ما شئت من درك المعالي |
فلم يك منك شىء غير أمر |
|
بلعن المسلمين على التوالي |
فقابلك البلاء بما تلاقى |
|
فذق ما تستحق من الوبال |
(تبيين كذب المفترى لابن عساكر ليدن ص ٩٣)
ويقول السبكى فى طبقاته : (وضبط التاريخ فكان ذلك اليوم بعينه وتلك الساعة بعينها قد أمر السلطان بأن يقطع الكندري إربا إربا. وأن يرسل عضو منه إلى كل مكان) السبكى فى «طبقات الشافعية» ج ٢ ص ٢٧٢.
وهكذا عاد القشيري بعد هذه السنوات العشر الثّقال (من ٤٤٥ إلى ٤٥٥) إلى بلاده ، وهى وإن كانت أقسى فترات عمره ، وأشدها آلاما إلا أنها كانت حافلة بالتجارب ، وأعانته على زيادة خبرته بالحياة والأحياء ، وساعدت على توثيق الصلة بينه وبين الأوساط العلمية والأدبية خارج المشرق ، ودفعته إلى أن يصنّف العديد من المصنفات المتصلة بالمذهب الأشعري