البعد ، فبينكما برزخ لا يبغيان ، فما هم بتابعى قبلتكم وإن أريتهم من الآثار ما هو أظهر من الشموس والأقمار ، ولا أنت ـ بتابع قبلتهم وإن أتوا بكل احتيال ، حكما من الله ـ سبحانه ـ بذلك فى سابق الأزل.
قوله جل ذكره : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦))
حملتهم مستكنّات الحسد على مكابرة ما علموه بالاضطرار ، فكذلك المغلوب فى ظلمات نفسه ، ألقى (١) جلباب الحياء فلم ينجع فيه ملام ، ولم يردعه عن انهماكه كلام.
قوله جل ذكره : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧))
أي بعد ما طلعت لك شموس اليقين فلا تذعن (٢) إلى مجوزات التخمين (٣). والخطاب له والمراد به الأمة.
قوله جل ذكره : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨))
الإشارة منه : أنّ كل قوم اشتغلوا عنّا بشىء حال بينهم وبيننا ، فكونوا أنتم أيها المؤمنون لنا وبنا ، وأنشد بعضهم :
إذا الأشغال ألهونى عنك بشغلهم |
|
جعلتك أشغالى فأنسيتنى شغلى |
__________________
(١) وردت (تلقى) وهى خطأ من الناسخ.
(٢) وردت (فلا ترعن). والصواب أن تكون (فلا تذعن) بالذال.
(٣) يغمز القشيري هنا بما بين علوم أرباب الأحوال وبين العلوم العقلية ، لأننا نعرف من مذهبه أنه مع احترامه للعقل فى البداية إلا أنه محتمل للإصابة بالتجويز والتخمين وغيرهما من الآفات التي لا تجعله جديرا ـ وحده ـ بالوصول إلى المعارف العليا.