بيّن أنهم ـ وإن شاهدوا عظيم الآيات وطالعوا واضح البينات ـ فحين لم تساعدهم العناية ولم يخلق الله (لهم) الهداية ، لم تزدهم كثرة الآيات إلا قسوة ، ولم تبرز لهم من مكامن التقدير إلا شقوة (على شقوة ، وشبّه قلوبهم بالحجارة لأنها لا تنبت ولا تزكو ، وكذلك قلوبهم لا تفهم (١) ، ولا تغنى (٢). ثم بيّن أنها أشد (......) (٣) من الحجارة ، فإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار ، ومنها ما تظهر عليه آثار خشية الله (٤) ، وأمّا قلوبهم فخالية عن كل خير ، وكيف لا وفد منيت بإعراض الحقّ عنها ، وخصّت بانتزاع الخيرات منها.
قوله جل ذكره : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
أنبأهم عن إيمانهم ، وذكر أنهم بعد سماع الخطاب من الله ـ سبحانه ـ حرّفوا وبدّلوا فكيف يؤمنون لكم وإنما يسمعون بواسطة الرسالة ، ومن لم يبق على الإيمان بعد العيان فكيف يؤمن بالبرهان ، والذي لم يصلح للحق لا يصلح لكم ، ومن لم (يحتشم من الحق) فكيف يحتشم منكم؟.
قوله جل ذكره : (أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ)
تواصوا فيما بينهم بإنكار الحق ، وإخفاء الحال على المسلمين ، ولم يعلموا أن الله يطلع رسوله عليهالسلام على أسرارهم ، وأن نورا أظهره الغيب لا ينطفئ بمزاولة الأغيار. وموافقة اللّسان مع مخالفة العقيدة لا يزيد إلا زيادة الفرقة.
قوله جل ذكره : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً)
__________________
(١) تكملة فى الهامش استدرك بها الناسخ أثبتناها فى موضعها.
(٢) أي لا تغنى عنهم من الله شيئا ، وربما كانت فى الأصل (ولا تعى) حتى تتلاءم مع (لا نفهم).
(٣) زيادة ميزها الناسخ ـ لا لزوم لها.
(٤) إشارة إلى قوله تعالى : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ).