المقدس ما هو المعروف ، ثمّ اعتزلت الناس في بلدها بسبب قلقها من هذا الحمل الغريب ، وخوفها من الإفك والبهتان من الناس بشأنه.
(فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا)(١).
ويمكن للخيال أن يتصور حال مريم فى هذا المكان المعزول عن الناس البعيد عنهم ، المنبوذ منهم ، والمدة التي قضتها في هذا الحال من القلق والاضطراب والانتظار والخوف.
المخاض :
٣ ـ ثمّ يفاجئها المخاض ، فيلجئها إلى جذع نخلة ؛ لتستند إليها في مخاضها ؛ إذ اعتادت النساء في حالات الوضع والمخاض أن تستند إلى أذرع نساء الأهل والقابلات المولدات ، وأن يجدن الرعاية والعطف والسلوة في خضم آلام المخاض العنيفة ، أمّا هذه العذراء البتول التي لم يمسسها بشر ، ولم تعرف الحمل والولادة من قبل لا في نفسها ولا في أهلها ، فليس لها من سند ولا معتمد تلجأ إليه إلّا هذه النخلة التي وردت بعض النصوص في أنّها كانت نخلة يابسة ، وهو ممّا توحي به الآية الكريمة عند ما تتحدّث عن المكان القصي المنبوذ (٢).
عندئذ يبلغ الألم النفسي فيها مبلغه والمحنة غايتها ، وتشعر بالانقطاع عن هذه الدنيا وكل ما فيها من حياة ؛ لأنّ الكرامة والسمعة الحسنة هي أعزّ ما لدى الإنسان
__________________
(١) مريم : ٢٢.
(٢) مضافا إلى ما يذكره العلّامة الطباطبائي : من أنّ نسبة الهز إلى الجذع والمساقطة إلى النخلة لا تخلو من إشعار بأن النخلة كانت يابسة ، وإنّما اخضرّت وأورقت وأثمرت رطبا جنيّا لساعتها ، الميزان ١٤ : ٤٢.