موسى قد تربّى وعاش بينهم ، ولم يكن لديه شيء من هذه الأقوال والأحوال ، فقال لموسى : (... أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) ثم بعد ذلك (... فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ ...) بأن قتلت رجلا من الفرعونيين؟ فأجابه موسى : نعم لقد فعلت ذلك ، ولكنّي لمّا خفتكم على نفسي فررت منكم (... فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ)(١).
فرعون يجادل موسى في ربوبية الله :
وبعد أن رأى فرعون إصرار موسى وهارون على الرسالة (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما ...) قال له موسى (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) وهو ربّ السماوات والأرضين وما بينهما وما تحت الثرى. قال فرعون : (... فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) وما هو مصيرها؟ فأجابه موسى (... عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) ، وهو (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى)(٢) مختلف ألوانه وأشكاله.
وقد استنكر فرعون هذه الدعوة الجديدة وهو يعتقد بنفسه الألوهية ، فتوجه لمن حوله مستنكرا وقال : (... أَلا تَسْتَمِعُونَ)(٣)؟ ولمّا رأى الإصرار من موسى وأخيه اتهم موسى بالجنون ، وهدده بالسجن إذا اتخذ إلها غيره. ولم يستسلم موسى وأخوه أمام هذه التهمة والتهديد ، وإنّما حاولا أن يسلكا إلى فرعون طريقا آخر ،
__________________
(١) الشعراء : ١٨ ـ ٢١.
(٢) طه : ٤٩ ـ ٥٣.
(٣) الشعراء : ٢٥.