الإرشاد إلى المفاسد الموجودة في أكل الشجرة ، وليس نهيا (مولويا) يراد منه التحريك والطلب الجدي ، والمعصية المستحيلة على الأنبياء والتي توجب العقاب هي في الأوامر المولوية وليست الإرشادية.
الاتجاه الثاني : أن يكون النهي الإلهي هنا نهيا مولويا كما ـ هو الظاهر ـ وحينئذ فيفترض أنّ الأنبياء معصومون من الذنوب المتعلقة بالأوامر والنواهي التي يشتركون فيها مع الناس ، وأمّا الأوامر والنواهي الخاصة بهم فلا يمتنع عليهم صدور الذنب بعصيانها ، وليسوا معصومين تجاهها ، وهذا النهي الذي صدر لآدم إنّما هو خاص به ، ولذا لم يحرم على ذريته من بعده أكل الشجرة.
ومن هنا نجد القرآن الكريم ينسب الظلم والذنب ـ أحيانا ـ لبعض الأنبياء باعتبار هذه الأوامر الخاصة ، كما حصل لموسى عليهالسلام : (قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(١). مع أنّ قتل الفرعوني الظالم الكافر ليس ذنبا وحراما على الناس بشكل عام ، وإنّما كان حراما على موسى لخصوصية في وضعه.
ومن هنا ورد أنّ حسنات الأبرار سيئات المقربين باعتبار أنّ لهم تكاليف خاصة بهم تتناسب مع مستوى الكمالات التي يتصفون بها.
وهذا التفسير للعصمة أمر عرفي قائم في فهم العقلاء لمراتب الناس ، فبعض الامور هي من العلماء والفضلاء ذنب يؤاخذون عليه ، ولكنّه ليس كذلك بالنسبة إلى العامة من الناس ، وبعض الإنفاقات القليلة ذنب من الاغنياء يؤاخذون عليها ، وليست كذلك بالنسبة إلى الفقراء.
__________________
(١) القصص : ١٦.