وَنُمَكِّنَ
لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما
كانُوا يَحْذَرُونَ).
وعلى ضوء هذه
الملاحظة يمكن أن نستنتج أنّ القصّة استهدفت أمرين :
الأوّل : أنّ
القرآن الكريم كتاب منزل من الله سبحانه وتعالى ، وأنّه ليس من صنع محمد صلىاللهعليهوآله ، وهذا هو الهدف الرئيس من سرد القصّة في هذا المورد ـ
كما يشير إلى ذلك الأمر الأوّل والثاني ـ وهو في نفس الوقت من الأهداف المهمة التي
يؤكدها القرآن الكريم في مناسبات كثيرة لما له من تأثير في سير الدعوة.
وبهذا يمكن أن
نفسر ما أشرنا إليه في الأمر الثالث ، لأنّ في الحديث عن تفاصيل جانبية من حياة
الرسول دلالة قوية على ارتباط القرآن بعالم الغيب ؛ إذ من المفروض أن لا يطّلع على
هذه التفاصيل جميع الناس ؛ لأنّها تعيش حياة الرسول حين كان فردا عاديا في المجتمع
، على خلاف تفاصيل حياته بعد النبوة ، فإنّها ـ بطبيعة الحال ـ تكون معروفة للناس
لتسليط الأضواء على شخصيته من قبلهم.
الثاني : إيضاح
أنّ عملية التغيير الاجتماعي قد تتم حتى في أبعد الظروف ملاءمة واحتمالا ، وفي ظل
أشد ظروف الظلم والاضطهاد والطغيان ، بحيث تبدأ عملية التغيير من نقطة هي في منتهى
البعد والضعف نسبة لهذه العملية ، وذلك نتيجة للإيمان الواعي بالله ، وما يستلزمه
ذلك من الإصرار والصبر على تبني العقيدة والنضال من أجلها.
ولذلك نجد
القصّة في هذا الموضع تؤكّد ملامح الاضطهاد الذي كان يعانيه المجتمع بشكل عام
والإسرائيليون بشكل خاص ، كما تؤكّد الوضع القاسي الذي كان يعيشه شخص الرسول في
كونه منذ البداية في معرض خطر الموت والهلاك ، ثم مطاردا من المجتمع بتهمة القتل
العدواني ، ثم مهاجرا وبعيدا عن المواقع الطبيعية
__________________