الموقف العام للكافرين تجاه الذكر لم يكن بسبب عدم توفر الدليل الصالح على
صحة الرسالة (أَوَلَمْ يَرَوْا
إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ* إِنَّ فِي
ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ* وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ
الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
الثالث : أنّ
هذا المقطع جاء في عرض قصصي مشترك للأنبياء يتميّز بطابع خاص إلى جانب هذا التفسير
التأريخي للموقف العام ، وهو : أنّ كلّ نبي نجده يبذل جهده في استعمال الأساليب
المختلفة من الكلام اللين الهادئ أو التذكير بالنعم الإلهية الظاهرة التي يتمتّع
بها أقوامهم ، وقد يعضد أقواله هذه ـ أحيانا ـ بآية ومعجزة سماوية تشهد له على صحة
دعوته ، ومع كلّ ذلك تكون النتيجة واحدة ، ويختتم بقوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ
مُؤْمِنِينَ.)
الرابع : أنّ
القرآن الكريم بعد أن يأتي على نهاية العرض القصصي المشترك هذا يرجع فيتحدّث عن (آيات
الكتاب المبين) بوصفها شيئا مرتبطا بالسماء ومتصفا بجميع الصفات التي تبرز هذا
الاتصال ، ممّا يسمح لذوي البصيرة والقلوب النيرة أن يطلعوا على واقعه ويهتدوا به.
وعلى أساس هذه
الملاحظة يمكن أن نستنتج : أنّ القصّة جاءت لتحقيق هدفين ضمن عرض قصصي مشترك :
أحدهما : إيضاح
القانون الطبيعي الذي يتحكم في مواجهة الافكار الالهية الجديدة ، وإنّ تلكؤ
الكافرين في الإيمان بالدعوة الإسلامية ورسالتها ليس بسبب تخلف الرسول صلىاللهعليهوآله عن المستوى الأمثل للعمل والنضال ، أو نتيجة لعدم توفر
الأدلة الكافية على صحة الرسالة ، وإنّما هو قانون عام له أسبابه النفسية
والاجتماعية
__________________