قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ
____________________________________
سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) (١) فكيف لم تصلح؟ ثم أخذ موسى بلحية أخيه ورأسه يجره إليه ، وألقى الألواح من يده تضجرا ، ولم يك هذا العمل من موسى لأنه شديد الغضب ، كما يقول البعض ، كما أنه لم يك ذلك لأنه ظن بهارون سوءا وإنما جرت عادة العقلاء على أن يبدوا استنكارهم الشديد لغير المجرم ، في أقوال وأعمال ، ليعرف المجرم وقع الجرم ، ولا يكون هو المعتب الأول ، لئلا يثأر نفسه ، فإنك إذا أردت أن تفهم جارك سوء عمله من إلقاء القمامة على باب البيت ، تقول لولدك : «لماذا يصب القذارة على باب دارنا؟ هل أنت أعمى حتى لا تمنع الصاب؟ ولو رأيت القمامة بعد هذا لضربتك» وإنما الولد بريء مثلك وأنت تعلم ذلك ، وإنما تريد إفهام الجار ، على طريقة «إياك أعني واسمعي يا جارة» وهذا من فنون الأدب والبلاغة.
[٩٥] (قالَ) هارون مخاطبا لموسى (يَا بْنَ أُمَ) وإنما خص الأم بالذكر ، استعطافا وترقيقا ليسكن الغضب المشتعل في موسى على عبّاد العجل (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) ولم يقل هارون ذلك ، إلا لكي يعرف بنو إسرائيل أنه لم يكن المذنب في القصة ، لا لأنه رأى موسى غضبان عليه (إِنِّي خَشِيتُ) لو فارقتهم وخرجت من بينهم (أَنْ تَقُولَ) أنت (فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ) إذ خروج الزعيم من بين القوم يؤدي إلى تفرقهم ، كما أن محاربته لهم تؤدي إلى التفرقة ، وقد كان عذر هارون عليهالسلام صحيحا ، فإن الناس لا يتبعون الخلف كما يتبعون
__________________
(١) الأعراف : ١٤٣.