وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩)
____________________________________
قوم صالح عليهالسلام (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) من قوم الأنبياء الذين جاءوا إليهم بالصدق والحق ، فلجئوا إلى الباطل ، ولم يسمعوا كلام الأنبياء (لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ) فإن تلك الأقوام ، حيث كانوا قريبين من محل موسى عليهالسلام بين مصر وسوريا ، كانت أخبارهم وصلت إلى بني إسرائيل ، أما سائر الأقوام الكثيرة ، التي قال الله سبحانه عنها (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) (١) فلم يكن يعلمهم إلا الله ، ولا داعي إلى ذكرهم ، فالأنموذج كاف للتذكير والإرشاد ، (جاءَتْهُمْ) أي جاءت تلك الأقوام (رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي بالحجج الواضحة ، والبراهين الصريحة (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) أي رد القوم أيديهم في أفواه الأنبياء عليهمالسلام ، بأن منعوهم من التكلم ، فقد جرت العادة أن من يريد إسكات متكلم أن يضع يده على فم ذلك المتكلم ، وذلك تشبيه ، كما لا يخفى ، ويحتمل أن يعود الضميران إلى القوم ، يعني أن القوم وضعوا أيديهم ، في أفواه أنفسهم مشيرين بذلك إلى الرسل أن اسكتوا (وَقالُوا) أي قالت الأقوام (إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) أي برسالاتكم حول العقيدة والنظام (وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ) من وحدة الله والمعاد ، وسائر الأفعال (مُرِيبٍ) أي موجب للريب والتردد ، فإن الشاك قد يكون له اطمئنان نفسي لا يريبه شكه ، بل يمضي حسب اطمئنانه ، وقد يقوى شكه ، حتى يوجب ريبه وتردده.
__________________
(١) فاطر : ٢٥.