الجنة (١) (أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ) أي بأنّ لهم (٢) ، وموضع أنّ وما عملت فيه النصب بشّر عند سيبويه خلافا للخليل ، وهو كثير في التنزيل. والجنة : البستان من النخل والشجر المتكاثف ، والتركيب دائر على معنى الستر ومنه الجنّ والجنون والجنين والجنّة والجان والجنان ، وسميت دار الثواب جنّة لما فيها من الجنان. والجنة مخلوقة لقوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) (٣) خلافا لبعض المعتزلة ، ومعنى جمع الجنة وتنكيرها أنّ الجنة اسم لدار الثواب كلّها ، وهي مشتملة على جنان كثيرة مرتبة مراتب بحسب أعمال العاملين لكلّ طبقة منهم جنات من تلك الجنان (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) الجملة في موضع النصب صفة لجنات ، والمراد من تحت أشجارها كما ترى الأشجار النابتة على شواطئ الأنهار الجارية. وأنهار الجنة تجري في غير أخدود. وأنزه البساتين ما كانت أشجارها مظلّة والأنهار في خلالها مطّردة ، والجري الاطراد. والنهر المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر ، يقال للنيل : نهر مصر ، واللغة الغالبة نهر ، ومدار التركيب على السعة ، وإسناد الجري إلى الأنهار مجازي ، وإنما عرّف الأنهار لأنّه يحتمل أن يراد بها أنهارها فعوّض التعريف باللام من تعريف الإضافة كقوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) (٤) أو يشار باللام إلى الأنهار المذكورة في قوله تعالى : (فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) (٥) الآية ، والماء الجاري من النعمة العظمى ، واللذة الكبرى ، ولذا قرن الله تعالى الجنات بذكر الأنهار الجارية وقدّمه على سائر نعوتها (كُلَّما رُزِقُوا) صفة ثانية لجنات ، أو جملة مستأنفة ، لأنّه لما قيل إنّ لهم جنات لم يخل خلد السامع أن يقع فيه أثمار تلك الجنات أشباه ثمار جنات الدنيا أم أجناس أخر لا تشابه هذه الأجناس ، فقيل إنّ ثمارها أشباه ثمار جنات الدنيا أي أجناسها أجناسها وإن تفاوتت إلى غاية لا يعلمها إلّا الله (مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي) أي كلّما رزقوا من الجنات ـ من أي ثمرة كانت من تفاحها أو رمّانها أو غير ذلك ـ رزقا قالوا ذلك ، فمن الأولى والثانية كلتاهما لابتداء الغاية ، لأن الرزق قد ابتدئ من الجنات ، والرزق من الجنات قد ابتدئ من ثمرة ، ونظيره أن تقول رزقني
__________________
(١) في (ظ) أخطأ الناسخ في أكثر من كلمة بدءا من قوله : ولا يقال أنكم ... إلى قوله ثم يدخله الجنة.
(٢) زاد في (ز) جنات.
(٣) البقرة ، ٢ / ٣٥. الأعراف ، ٧ / ١٩. وفي (ظ) اخطأ الناسخ بكتابة الآية.
(٤) مريم ، ١٩ / ٤.
(٥) محمد ، ٤٧ / ١٥.