ظلمات ، ففيه خلاف بين الأخفش (١) وسيبويه. والرعد : الصوت الذي يسمع من السحاب لاصطكاك أجرام السحاب (٢) ، أو ملك يسوق السحاب ، والبرق الذي يلمع من السحاب من برق الشيء بريقا إذا لمع ، والضمير في فيه يعود إلى الصيّب فقد جعل الصيّب مكانا للظلمات فإن أريد به السحاب فظلماته إذا كان أسحم (٣) مطبقا ، ظلمتا سحمته وتطبيقه مضمومة إليهما ظلمة الليل. وأما ظلمات المطر فظلمة متكاثفة بتتابع القطر ، وظلمة أظلال غمامه مع ظلمة الليل ، وجعل الصيّب مكانا للرعد والبرق على إرادة السحاب به ظاهر ، وكذا إن أريد به المطر لأنهما ملتبسان به في الجملة ، ولم يجمع الرعد والبرق لأنّهما مصدران في الأصل ، يقال رعدت السماء رعدا وبرقت برقا فروعي حكم الأصل بأن ترك جمعهما ، ونكّرت هذه الأشياء ، لأنّ المراد أنواع منها كأنّه قيل فيه ظلمات داجية ، ورعد قاصف ، وبرق خاطف (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) الضمير لأصحاب الصيّب وإن كان محذوفا ، كما في قوله : (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) (٤) لأنّ المحذوف باق معناه وإن سقط لفظه ، ولا محلّ ليجعلون لكونه مستأنفا ، لأنه لمّا ذكر الرعد والبرق على ما يؤذن بالشدّة والهول ، فكأنّ قائلا قال : فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد؟ فقيل يجعلون أصابعهم في آذانهم ، ثم قال : فكيف حالهم مع مثل ذلك البرق؟ فقال : يكاد البرق يخطف أبصارهم ، وإنّما ذكر الأصابع ولم يذكر الأنامل ، ورؤوس الأصابع هي التي تجعل في الآذان اتساعا كقوله : (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) (٥) والمراد إلى الرسغ ، ولأنّ في ذكر الأصابع من المبالغة ما ليس في ذكر الأنامل ، وإنّما لم يذكر الأصبع الخاصّ الذي تسدّ به الأذن لأنّ السبّابة فعالة من السبّ فكان اجتنابها أولى بآداب القرآن ، ولم يذكر المسبّحة لأنّها مستحدثة غير مشهورة (مِنَ الصَّواعِقِ) متعلق بيجعلون أي من أجل الصواعق يجعلون أصابعهم في آذانهم ، والصاعقة قصفة رعد تنقضّ معها شقة من نار قالوا تنقدح من السحاب إذا اصطكت أجرامه وهي نار لطيفة حديدة لا تمرّ بشيء إلّا أتت عليه إلّا أنّها مع حدّتها سريعة الخمود ، يحكى أنّها سقطت على نخلة فأحرقت نحو النصف (٦) ثم طفئت ، ويقال صعقته الصاعقة إذا أهلكته فصعق ، أي مات ، إمّا بشدة الصوت أو بالإحراق
__________________
(١) الأخفش : سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء البلخي ثم البصري ، أبو الحسن ، نحوي عالم باللغة والأدب أخذ العربية عن سيبويه توفي عام ٢١٥ ه (الأعلام ٣ / ١٠١).
(٢) في (ز) إجرامه.
(٣) أسحم : أسود.
(٤) الأعراف ، ٧ / ٤.
(٥) المائدة ، ٥ / ٣٨.
(٦) في (ز) نحو نصفها.