الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (١) لأنّ الجملة الأولى (٢) هنا مسوقة بيانا لذكر الكتاب لا خبرا عن المؤمنين ، وسيقت الثانية للإخبار عن الكفار وهكذا (٣) ، فبين الجملتين تفاوت في المراد ، وهما على حد لا مجال للعطف فيه ولئن كان مبتدأ على تقدير (٤) فهو كالجاري عليه ، والمراد بالذين كفروا ناس (٥) بأعيانهم علم الله أنّهم لا يؤمنون كأبي جهل (٦) وأبي لهب (٧) وأضرابهما (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) بهمزتين كوفي ، وسواء بمعنى الاستواء وصف به كما يوصف بالمصادر ، ومنه قوله تعالى : (إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ) (٨) أي مستوية وارتفاعه على أنّه خبر لإنّ ، وأأنذرتهم أم لم تنذرهم مرتفع (٩) ، على الفاعلية ، كأنّه قيل إنّ الذين كفروا مستو عليهم إنذارك وعدمه ، أو يكون سواء خبرا مقدما وأأنذرتهم أم لم تنذرهم في موضع الابتداء أي سواء عليهم إنذارك وعدمه ، والجملة خبر لإنّ وإنّما جاز الإخبار عن الفعل مع أنّه خبر أبدا لأنّه من جنس الكلام المهجور فيه جانب اللفظ إلى جانب المعنى ، والهمزة وأم مجردتان لمعنى (١٠) الاستواء ، قد انسلخ عنهما معنى الاستفهام رأسا ، قال سيبويه جرى هذا على حرف الاستفهام ، كما جرى على حرف النّداء قولك (١١) اللهم اغفر لنا أيتها العصابة ، يعني أنّ هذا جرى على صورة الاستفهام ولا استفهام ، كما جرى ذلك على صورة النداء ولا نداء ، والإنذار التخويف من عقاب الله بالزّجر عن المعاصي (لا يُؤْمِنُونَ) (١٢) جملة مؤكدة للجملة (١٣) قبلها ، أو خبر لإنّ ، والجملة قبلها اعتراض ، أو خبر بعد خبر. والحكمة في الإنذار مع العلم بالإصرار إقامة للحجّة (١٤) وليكون الإرسال عاما وليثاب الرّسول صلىاللهعليهوسلم (١٥).
__________________
(١) الانفطار ، ٨٢ / ١٣ ـ ١٤.
(٢) في (أ) لأن الجملة هنا.
(٣) في (ظ) و(ز) بكذا.
(٤) في (ز) وإن كان مبتدأ على تقرير.
(٥) في (ز) أناس.
(٦) أبو جهل : عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي ، أحد سادات قريش في الجاهلية وأشد الناس عداوة للنبي صلىاللهعليهوسلم قتل في معركة بدر الكبرى عام ٢ ه (الأعلام ٥ / ٨٧).
(٧) أبو لهب : عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم ، عم النبي صلىاللهعليهوسلم ومن أشد الناس عداوة للإسلام ، نزلت فيه وفي زوجته سورة المسد ، مات بعد معركة بدر بأيام ولم يشهدها (الأعلام ٤ / ١٢).
(٨) آل عمران ، ٣ / ٦٤.
(٩) في (ظ) و(ز) مرتفع به.
(١٠) في (ظ) بمعنى.
(١١) في (ز) في قولك.
(١٢) ذكر ابن جرير أن هذه الآية والتي تليها نزلتا في يهود المدينة وقتال الأحزاب.
(١٣) في (ظ) للجملة الأولى قبلها.
(١٤) في (ظ) و(ز) إقامة الحجة.
(١٥) ليست في (ظ) و(ز).