(فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً (٩٩) وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٠) وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً) (١٠١)
المستضعفين الذين (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) في الخروج منها لفقرهم وعجزهم (وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) ولا معرفة لهم بالمسالك ، ولا يستطيعون صفة للمستضعفين أو للرجال والنساء والولدان ، وإنما جاز ذلك والجمل نكرات لأنّ الموصوف وإن كان فيه حرف التعريف فليس بشيء بعينه كقوله (١) : * ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني* (٢).
٩٩ ـ (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) وعسى وإن كان للإطماع فهو من الله واجب ، لأنّ الكريم إذا أطمع أنجز (وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً) لعباده قبيل أن يخلقهم.
١٠٠ ـ (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً) مهاجرا وطريقا يراغم بسلوكه قومه ، أي يفارقهم على رغم أنوفهم ، والرّغم : الذلّ والهوان ، وأصله لصوق الأنف بالرّغام وهو التراب ، يقال راغمت الرجل إذا فارقته وهو يكره مفارقتك لمذلة تلحقه بذلك (كَثِيراً وَسَعَةً) في الرزق ، أو في إظهار الدين ، أو في الصدر لتبدّل الخوف بالأمن (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً) حال من الضمير في يخرج (إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) إلى حيث أمر الله ورسوله (ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ) قبل بلوغه مهاجره ، وهو عطف على يخرج (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) أي حصل له الأجر بوعد الله ، وهو تأكيد للوعد فلا شيء يجب على الله لأحد من خلقه (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) قالوا كلّ هجرة لطلب علم أو حج أو جهاد أو فرار إلى بلد يزداد فيه طاعة أو قناعة أو زهدا أو ابتغاء رزق طيب فهي هجرة إلى الله ورسوله ، وإن أدركه الموت في طريقه فقد وقع أجره على الله.
١٠١ ـ (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) سافرتم فيها ، فالضرب في الأرض هو السفر (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) حرج (أَنْ تَقْصُرُوا) في أن تقصروا (مِنَ الصَّلاةِ) من أعداد ركعات الصلاة فتصلوا الرباعية ركعتين ، فظاهر الآية يقتضي أنّ القصر رخصة في السفر والإكمال عزيمة كما قال الشافعي رحمهالله ، لأنّ لا جناح يستعمل في موضع التخفيف والرخصة لا في موضع العزيمة ، وقلنا : القصر عزيمة غير رخصة ولا يجوز
__________________
(١) في (أ) كقولك.
(٢) لم أصل إلى أصله.