(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨٨) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٨٩)
تسهيل على الظّلمة وتطييب لنفوسهم ، أو لجرّ منفعة ، أو دفع أذية ، أو لبخل بالعلم ، وفي الحديث : (من كتم علما عن أهله ألجمه الله بلجام من نار) (١) (وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) عرضا يسيرا (فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ).
١٨٨ ـ والخطاب في (لا تَحْسَبَنَ) لرسول الله ، وأحد المفعولين (الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) والثاني بمفازة ، وقوله فلا تحسبنّهم ، تأكيد تقديره ولا تحسبنهم فلا تحسبنّهم فائزين (٢) (بِما أَتَوْا) ما فعلوا ، وهو (٣) قراءة أبيّ فأتى وجاء (٤) يستعملان بمعنى فعل (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) (٥) (لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) (٦) وقرأ النّخعي (٧) بما آتوا أي أعطوا (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) بمنجاة منه (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) مؤلم ، روي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم سأل اليهود عن شيء مما في التوراة فكتموا الحقّ وأخبروه بخلافه وأروه أنّهم قد صدقوه واستحمدوا إليه وفرحوا بما فعلوا من تدليسهم ، فأطلع الله رسوله على ذلك وسلاه بما أنزل من وعيدهم (٨) ، أي لا تحسبنّ اليهود الذين يفرحون بما فعلوا من تدليسهم عليك ويحبّون أن تحمدهم بما لم يفعلوا من إخبارك بالصّدق عما سألتهم عنه ناجين من العذاب ، وقيل هم المنافقون يفرحون بما أتوا من إظهار الإيمان للمسلمين وتوصّلهم بذلك إلى أغراضهم ويستحمدون إليهم بالإيمان الذي لم يفعلوه على الحقيقة ، وفيه وعيد لمن يأتي بحسنة فيفرح بها فرح إعجاب ويحب أن يحمده الناس بما ليس فيه.
١٨٩ ـ (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فهو يملك أمرهما ، وفيه تكذيب لمن قال إنّ الله فقير (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فهو يقدر على عقابهم.
__________________
(١) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والطبراني في الأوسط ، قال ابن حجر : ليس في شيء من طرقه «عن أهله».
(٢) في (ظ) و(ز) تقديره لا تحسبنهم فائزين.
(٣) في (ظ) و(ز) بما فعلوا وهي.
(٤) في (ظ) وأتى وجاء ، وفي (ز) وجاء وأتى.
(٥) مريم ، ١٩ / ٦١.
(٦) مريم ، ١٩ / ٢٧.
(٧) النخعي : هو إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود ، أبو عمران النخعي ، من أكابر التابعين ولد عام ٤٦ ه وتوفي عام ٩٦ ه (الأعلام ١ / ٨٠).
(٨) متفق عليه من رواية حميد بن عبد الرحمن.