(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٨٦) وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) (١٨٧)
عن المكروه (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) شبّه الدنيا بالمتاع الذي يدلّس به على المستام ويغرّ حتى يشتريه ثم يتبين له فساده ورداءته ، والشيطان هو المدلّس الغرور ، وعن سعيد بن جبير : إنّما هذا لمن آثرها على الآخرة ، فأمّا من طلب الآخرة بها فإنّها متاع بلاغ ، وعن الحسن : كخضرة النبات ولعب البنات لا حاصل لها.
١٨٦ ـ (لَتُبْلَوُنَ) والله لتبلون ، أي لتختبرنّ (فِي أَمْوالِكُمْ) بالإنفاق في سبيل الله وبما يقع فيها من الآفات (وَأَنْفُسِكُمْ) بالقتل والأسر والجراح وما يرد عليها من أنواع المخاوف والمصائب ، وهذه الآية دليل على أنّ النفس هي الجسم المعاين دون ما فيه من المعنى الباطن كما قال بعض أهل الكلام والفلاسفة ، كذا في شرح التأويلات (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) يعني اليهود والنصارى (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) كالطعن في الدّين وصد من أراد الإيمان وتخطئة من آمن ونحو ذلك (وَإِنْ تَصْبِرُوا) على أذاهم (وَتَتَّقُوا) مخالفة أمر الله (فَإِنَّ ذلِكَ) فإنّ الصبر والتقوى (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) من معزومات الأمور ، أي مما يجب العزم عليه من الأمور ، خوطب المؤمنون بذلك ليوطّنوا أنفسهم على احتمال ما سيلقون من الشدائد والصبر عليها حتى إذا لقوها وهم مستعدون لا يرهقهم ما يرهق من تصيبه الشدة بغتة فينكرها وتشمئز منها نفسه.
١٨٧ ـ (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) واذكروا وقت أخذ الله ميثاق أهل الكتاب (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) عن الناس ، بالتاء على حكاية مخاطبتهم كقوله : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَ) (١) وبالياء مكي وأبو عمرو وأبو بكر لأنّهم غيّب والضمير للكتاب ، أكّد عليهم إيجاب بيان الكتاب واجتناب كتمانه (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) فنبذوا الميثاق وتأكيده (٢) عليهم ، أي لم يراعوه ولم يلتفتوا إليه ، والنبذ وراء الظهر مثل في الطرح وترك الاعتداد ، وهو دليل على أنّه يجب على العلماء أن يبينوا الحقّ للناس وما علموه وأن لا يكتموا منه شيئا لغرض فاسد من
__________________
(١) الإسراء ، ١٧ / ٤.
(٢) في (أ) وتأكيدهم عليهم.