مصدر رمض إذا احترق من الرّمضاء ، فأضيف إليه الشهر وجعل علما ومنع الصرف للتعريف والألف والنون ، وسموه بذلك لارتماضهم فيه من حرّ الجوع ومقاساة شدّته ولأنّهم سموا الشهور بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر ، فإن قلت : ما وجه ما جاء في الحديث : (من صام رمضان إيمانا واحتسابا) (١) مع أنّ التسمية واقعة مع المضاف والمضاف إليه جميعا؟ قلت : هو من باب الحذف لأمن الإلباس. القران حيث كان غير مهموز مكي ، وانتصب (هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) على الحال أي أنزل وهو هداية للناس إلى الحقّ ، وهو آيات واضحات مكشوفات مما يهدي إلى الحق ويفرق بين الحقّ والباطل ، ذكر أولا أنّه هدى ، ثم ذكر أنّه بينات من جملة ما هدى به الله وفرق بين الحق والباطل من وحيه وكتبه السماوية الهادية الفارقة بين الهدى والضلال (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) فمن كان شاهدا أي حاضرا مقيما غير مسافر في الشهر فليصم فيه ولا يفطر ، والشهر منصوب على الظرف وكذا الهاء في ليصمه ، ولا يكون مفعولا به لأنّ المقيم والمسافر كلاهما شاهدان للشهر (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) فعدة مبتدأ ، والخبر محذوف ، أي فعليه عدة ، أي صوم عدة (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) حيث أباح الفطر بالسفر والمرض (وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ومن فرض الفطر على المريض والمسافر حتى لو صاما تجب عليهما الإعادة ، فقد عدل عن موجب هذا النص (٢) (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) عدة ما أفطرتم بالقضاء إذا زال المرض والسفر ، والفعل المعلّل محذوف مدلول عليه بما سبق تقديره ولتكملوا العدة (٣) (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) شرع ذلك ، يعني جملة ما ذكر من أمر الشاهد بصوم الشهر وأمر المرخّص له بمراعاة عدة ما أفطر فيه ومن الترخيص في إباحة الفطر ، فقوله : لتكملوا علة الأمر بمراعاة العدة ، ولتكبروا علة ما علّم من كيفية القضاء والخروج عن عهدة (٤) الفطر ، ولعلكم تشكرون علّة الترخيص ، وهذا نوع من اللّفّ ، لطيف (٥) المسلك. وعدّي التكبير بعلى لتضمّنه معنى الحمد ، كأنه قيل لتكبروا الله أي لتعظّموه حامدين على ما هداكم إليه ، ولتكمّلوا بالتشديد أبو بكر.
ولما قال إعرابي لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ نزل (٦) :
__________________
(١) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) سقطت من (ز).
(٣) في (ز) لتعلموا ولتكملوا العدة.
(٤) في (ز) متى.
(٥) في (ز) اللطيف.
(٦) ذكره الطبري وابن أبي حاتم ، والدارقطني في المؤتلف.