اليقين أن لا حركة ولا سكون إلا بأمره ، قال الإمام ابن الفرغاني : ما من خطرة ولا حركة إلا بأمر وهو قوله : (كن) ، فله الخلق بالأمر ، والخلق صفته ، فلم يدع بهذين الحرفين لعاقل يدعي شيئا من الدنيا والآخرة ، لا له ولا به ولا إليه ، فاعلم إنه لا إله إلا الله.
أما من لم يحصل علوم اليقين فإنه يبقى محجوبا عن الله ، وبالتالي محجوبا عن الحقيقة ، وبقي من ثم أسير نفسه ، والنفس أمارة جبانة ، شكاكة ، وبقي أسير اسمه ثانيا ، والاسم قهار جبار يقذفه يمينا وشمالا ، وبقي أسير هيكله ثالثا ، وهذا أسر التعين الذي لافكاك للإنسان منه إلا بالموت ، والموت عدم ولا أحقر من العدم ، قال أبو العباس المرسي : من لم يتغلغل في هذه العلوم بات مصرا على الكبائر وهو لا يعلم.
١٠٤ ـ (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٠٤))
[الشعراء : ١٠٤]
العزيز كونه سبحانه صاحب العزة ، والعزة القوة والمنعة ... إذ لدى انكشاف الأمر يتبين أن الله هو القاهر فوق الخواطر ، ولهذا قال الإمام علي رضي الله عنه : (جبار الخواطر شقيها وسعيدها) ، فأنى توجه الإنسان وكيفما استمع فهو دائر في فلك الجبروت ، ليس له منه مهرب ولا فكاك.
وأما الرحمة فهي نتيجة للعزة ، وكثيرون تساءلوا عما إذا ما قاله ابن عربي سلطان العارفين صحيحا عن شمول المغفرة والرحمة ، وكثيرون تساءلوا إذا صح هذا فما معنى الحديث عن الثواب والعقاب ويوم الدينونة والحساب ثم المآب إما إلى الجنة أو إلى النار .. والحقيقة أن من يتفكر في أحاديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن حقيقة القضاء والقدر ، وكيف أن الله خلق الناس في الأزل قبضتين قبضة في الجنة وقبضة في النار ، وما أوردناه في كتابنا علم الكشف من أن رجلين من مزينة أتيا رسول الله فقالا : يا رسول الله ، أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه ، أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق ، أو فيما يستقبلون به أتاهم به نبيهم وتثبت الحجة عليهم؟ فقال : لا ، بل شيء قضى عليهم ومضى فيهم .. وقوله صلىاللهعليهوسلم : (إذا ذكر القدر فأمسكوا) ، وقوله : (لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر) ، وقوله صلىاللهعليهوسلم في الغلام الذي قتله العبد الصالح إنه طبع في بطن أمه كافرا ، وقوله في الجنين إنه يطبع في الرحم إما شقيا وإما سعيدا ... إذا أمعن الإنسان الفكر في هذه الأحاديث لوجد أن من العدل أن يكون الختام كما بشر به سلطان العارفين عند ما قال بعموم المغفرة والرحمة ، وخاصة وأن رسول الله قال إن للنار عمرا ، وإن الجبار يضع فيها قدمه فتقول أطّ أطّ ـ أي أنّت ـ فينبت فيها شجر الجرجير ، والمتتبع لما ورد في هذا الكتاب وكتبنا الصوفية السابقة من إشارات ودلالات ومعادلات واجد في النهاية أن المخرج يؤدي منطقا وعدلا إلى هذه الرحمة التي تعم الجميع في ختام المطاف ، فما الأشقياء إلا تعينات اسمه المضل ، وما الأبرار إلا تعينات اسمه الهادي ، ولقد