عباد الرحمن أمة ، وهم واحد كما قال سبحانه في إبراهيم عليهالسلام : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً ،) [النحل : ١٢٠] وهم كثير كما كان أتباع موسى ، والموحدون وإن كثروا قليل وللأمر لطيفة ، ذلك أنه ما على الأرض إلا موحد ، وإلا لما كان الله القاهر فوق عباده ، ولما كان آخذا بناصية كل دابة ، فالتوحيد يقتضي وجود الواحد وفعله وكونه واحدا وإن تكثر من قبل صوره ومعلولاته ، لكن الناس يجهلون سر التوحيد ، ولا يبصرون كيف هم في القبضة وكيف يسيرون من قبل قبضة الاسم وصفته وجنده من الخواطر .. ولهذا كان الناس في جنات وعيون من الصفات الإلهية ، وهذه هي الرحمة الرحمانية التي أوجدت الوجود ثم خرجوا من هذه الجنات إلى أرض الأسماء ونار الطبائع ، فطبع كل واحد باسمه وصفته فهم أسرى الأسماء ولا يعلمون.
٦٠ ، ٦٨ ـ (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦٨))
[الشعراء : ٦٠ ، ٦٨]
الشروق طلوع شمس الذات من مغرب البدن ، أي بروز الحقيقة الذاتية من صدر الإنسان كما قال صلىاللهعليهوسلم : (إني لأجد نفس الرحمن من جهة اليمن) ، واليمن إشارة إلى النفس.
والترائي رؤية كل فريق للآخر ، فالموحدون يرون حقيقة المشركين ، والمشركون لا يرون إلا ظاهر الموحدين ، وليس الظاهر كالباطن.
والعصا التي ضرب موسى عليهالسلام بها البحر فانفلق هي القدرة الإلهية التي هي الخيط الرفيع الفاصل بين بياض النور وسواد المادة ، فالعصا بروز القدرة الإلهية التي هي محركة الوجود وما فيه.
وانفلاق البحر انشقاقه وللأمر نكتة ، وذلك أن الوجود كله بحر ، ولكن هذا البحر مكون من فرقين ، فرق هو المادة ، وفرق هو الروح ، وكلاهما جبل عظيم ، إذ الوجود المادي عظيم والوجود الروحي أعظم لأنه الأساس والأرضية والخلفية والعمد غير المرئية ، ولقد اجتهد هيغل ليبين قيمة الوجود الروحي وكونه أس كل شيء حي وحياته واستمراره.
فمن انكشف له الأمر نجا من نار النمرود التي هي الوجود الظاهري ، وعام في بحر الوجود المطلق ناجيا من الغرق الذي يكون ضحيته كل من ظل حبيس عالم العيان وصوره.