انفصال بل هو حضور نوراني وجودي تكشف عنه المكاشفة ، وإنسان كهذا لا نفس له لأنه عرف يقينا أن نفسه هو ، وأن نفسه صورته ، وأنه هو هو ، وأنه كما مع الذات الخالصة في هوية واحدة .. ولهذا كان مشي الموحد على بطنه أي على باطنه ، أي يكون مشيه بالله ، وهذا ما عبر عنه الحديث القدسي كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها.
والإنسان الذي يمشي على رجلين هو الإنسان العادي الذي يلي في المرتبة الإنسان المكاشف المسمى في القرآن عبدا وعبدا صالحا ... أما الآخر فهو يمشي على رجلين ، والرجلان إشارة إلى تركيب البنية الإنسانية من الخالد والفاني ، الحقي والخلقي ، والكلي والجزئي ، الإلهي والحيواني ، أي أن هذا الإنسان هو مظهر اسم الله الظاهر ، وهو ما عبر عنه في الفلسفة بأنه حيوان ناطق ... فأما جانبه الحيواني فيتبع الدواب ، وأما جانبه النطقي فيتبع النفس الناطقة الإلهية الشريفة التي اتخذت الإنسان لها محلا للمكالمة والخطاب ولتحقيق فعل الأمر الإلهي.
ومن يمشي من الناس على أربع فهؤلاء الذين يمثلون تعينات الخواطر الأربعة النفسية والشيطانية والملكية والإلهية ، فهذا الإنسان قطار لهذه الموجودات الإلهية التي تفرق ذات اليمين وذات الشمال ، لأنه لا يخرج شيء على مشيئة الله ولهذا ختمت الآية بأن الله يخلق ما يشاء وأنه على كل شيء قدير.
والإنسان الذي يمشي على أربع جاهل أربعته ، وهو أسير خواطره ولا يعلم .. أما من يمشي على رجلين فهو المحسن الذي دخل الإيمان في قلبه فنوره فرأى ليلة قدره ، وعرف قدره ، وعرف أنه مزيج من الإلهي والحيواني أي أنه ابن آدم الذي علم الأسماء الحسنى.
ومن يمشي على بطن هو بيت القصيد ، فهو المحقق الموحد الفاني والباقي بالله ، فهو المصطفى والمجتبى ، وهو ممثل الإنسان الكامل في الخليفة ، وهو وريث النبوة ، وهو الخليفة على التحقيق ، وهو الذي يرث الشهادة فهو المشاهد بكسر الهاء والمشاهد بفتح الهاء ، وهو الدرة الفريدة والجوهرة اليتيمة من تاج الوجود العظيم ، قال عبد الكريم الجيلي في الشهادة : والشهادة الأعلى شهود الحق تعالى بعين اليقين في سائر مخلوقاته فإذا رأى مثلا شيئا من المخلوقات فإنه يشهد الحق تعالى في ذلك الشيء من غير حلول ولا اتصال ولا انفصال ، بل بما أخبر به سبحانه بقوله : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) [البقرة : ١١٥] ، وقال في وسع الخلافة : وسع الخلافة التحقق بأسمائه وصفاته حتى أنه يرى ذاته ذاته ، فتكون هوية الحق عين هوية العبد ، وأنيته عين أنيته ، واسمه اسمه ، وصفته صفته ، فيتصرف في الوجود تصرف الخليفة في ملك المستخلف.