سورة الانسان
بسم الله الرّحمن الرّحيم
١ ، ٢ ـ (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (١) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢))
[الإنسان : ١ ، ٢]
الإنسان كجنس لم يكن ثم كان ، والذين يقولون إن المخلوقات هي التي طورت نفسها كي تكون في الهيئة التي ترى يفترضون أن الإرادة الجزئية قادرة على أن تحقق معجزة التطور ، ويتساءل الإنسان ولماذا لم يستطع الإنسان ، الذي فطر على حب الطيران ، أن يجعل له جناحين ينبتان في ظهره يمكنانه من الطيران كما الطيور ، ولماذا لجأ إلى الوسائل المصطنعة والبديلة كاختراع المنطاد والطائرة والصاروخ ليتمكن من الطيران؟
وهذا التطور الذي درسته فلاسفة وعلماء مثل داروين ولا مارك كيف كان؟ وكيف استطاع الإنسان القرد مثلا أن يصير الإنسان الحالي ، وكيف طور دماغه القردي الذي أنتج فكرا ووعيا قرديا حتى صار له دماغه البشرى الذي أنتج فكرا ووعيا بشريا؟
فالله سبحانه هو الذي جعل القرد قردا والإنسان إنسانا ، وحتى لو صحت نظرية التطور والإرتقاء ، ونقول لو صحت ، لكان الخالق هو الذي أحدث هذا التطور ، وما دام هو مسبب الأسباب ، وله العقل الكلي المحرك للأسباب.
والله سبحانه جعل الإنسان بصيرا ، وكنا تحدثنا عن أسماء الصفات مثل كونه سبحانه سميعا بصيرا ، وقال الناقد بلاثيوس في ابن عربي إن الحق في رأي ابن عربي : يسمع ويبصر من خلال ملكات الإنسان وحواسه. فالإنسان على هذا واسطة الحق وآلاته ، ولهذا قيل إن أسماء الصفات مستفيدة علما ، وهذا بحث عالجناه سابقا في مجال العلم المطلق والمقيد ، فعن طريق التفصيل ، والتجزيء تمكن الحق من أن يجعل الكليات ظاهرة في جزئيات ، وما دام الإنسان كليا تشخص فدوره إذن إظهار الكلي المطلق والعلم المجمل ، وذلك عن طريق استخدام آلاته وقواه نفسها ، وهي في جوهرها إلهية ، لاستخراج الكليات من صور خارجية عيانية ، ولهذا قال ابن عربي :
فنحن لا وهو ذو ظهور |
|
فالعين منه والنعت منا |
وقال :
فلو لاه ولولانا |
|
لما كان الذي كانا |