بحيث يجعل الولدان شيبا ، ولو رأى المجرمون حقيقة الوجود لأسرعوا فرارا منه ، يود أحدهم أن يجد له منه نجاة وفرارا ، ولا نجاة ولا فرار من قبضة الواحد الجبار ، فلا المجرم هناك ، ولا الكافر ، ولا المنافق ، ولا كل صاحب دعوى أنية ، فلقد التقى طرفا الدائرة الوجودية ، ثم اتصل المحيط بالمركز ، فلا محيط ولا شيء إلا الحضرة الإلهية الصرفة التي قال فيها سبحانه : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [الرحمن : ٢٦ ، ٢٧].
١٩ ، ٤٤ ـ (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٢٩) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٣١) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (٣٣) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٣٤) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥) فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (٤٤))
[المعارج : ١٩ ، ٤٤]
من طبيعة الأنا تمسك صاحبها بها أولا ، والخوف عليها ثانيا ، والخوف من العالم ثالثا توفيرا لجو يساعد الإنسان على العيش فيه كما تفعل الحيوانات في حجورها وبيوتها وغيرانها ، فالإنسان مفطور على الحفاظ على أنيته إلى حد يخرجه عن إنسانيته ، إذ الإنسانية غيرية ، ومن وصل مقام الجمع عرف هذه الحقيقة ، وتحقق قول هيغل إن الأنا هي نحن أيضا ، فلا يفرق بعدئذ بين الأنا والآخرين ، ولا يبقى سوى المجموع هدفا للخير ولفعله ، فمن أنا ، ومن أنت ، حتى أمنعك الخير إن ملكته ، وتمنعني المال إن جمعته وتكون هذه الأنا بيننا حاجزا وسورا لا يطفر أبدا ، فالأنا مصدر كل شر ، وأصل كل شح ، وسبب التمزق والتفرق والتعصب والفساد والطغيان في الميزان ، وما في الميزان من مفاهيم العدل والخير والحق والإحسان ، فما لم يخرج الإنسان على أناه ، ومن أناه ، فهو في جهنم الأنية سجين ، ظالم لنفسه ، وهو إن خرج فله فلك الأبدية والآفاق الإلهية ، وهو الإنسان على الحقيقة ، وخليفة الله في أرضه.