والخلاصة أن الآيات تحدثت عن أحوال القلب وكونه بين الكثرة الذين هم بين مشرك أو منافق أو مسلم أو مؤمن أو موحد ، والمطلوب أن يبحث الإنسان عن أليفه ومن هم على شاكلته ، لأن موسيقى الكلمة تكون عندئذ واحدة لدى المتحدثين والمستمعين ، فما صدر من القلب وقع في القلب ، وما صدر من اللسان لا يجاوز الآذان.
٣٠ ، ٣١ ـ (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (٣٠) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣١))
[النور : ٣٠ ، ٣١]
غض البصر عدم مد العينين إلى أسرار الناس لأن النبي صلىاللهعليهوسلم قبل من الناس علانيتهم ، ووكلهم إلى الله في سرائرهم ، فالله هو الذي يتولى السرائر ، والرسول كان يعلم المنافقين ولكنه لم يفش سرهم ، وخص حذيفة بن اليمان بمعرفة أسمائهم ، فكان إذا توفي مسلم قصد عمر داره فإن وجد حذيفة فيه شارك في تشييع المتوفى ، وإن لم يجده انصرف.
وضرب الخمار على الجيب عدم إذاعة سر الإنسان ، ولكل إنسان سره ، ولهذا قلنا إن الله يتولى السرائر ، والبعولة والآباء والأبناء والإخوان يمثلون أصحاب الأسماء المتشابهة الذين قال فيهم سبحانه : (عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ) [يس : ٥٦] والأرائك متكأ الصفات.
وللصوفية سر الربوبية الذي قال فيه الإمام النفري : يا عبد لا إذن لك ثم لا إذن لك ثم سبعون مرة لا إذن لك أن تبوح بما استودعك من أسرار حروفي وأسمائي ، ولا كيف تدخل إلى خزانتي ، ولا كيف تقتبس حرفا بعزتي وجبروتي ولا كيف تراني ، وأنشد الحلاج قائلا :
بالسر إن باحوا تباح دماؤهم |
|
وكذلك دماء العاشقين تباح |
والصوفية يقولون إن أولى الناس بمعرفة السر أرباب التوحيد وعلماؤه والنبي صلىاللهعليهوسلم قال : (أوتيت ليلة أسري بي ثلاثة علوم : فعلم خيرت في تبليغه ، وعلم أمرت بتبليغه ، وعلم أخذ علي كتمه).
٣٢ ، ٣٣ ـ (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ