ذلك يا عائشة ، إن الله خلق الجنة وأهلها وهم في أصلاب آبائهم ، وخلق النار وأهلها وهم في أصلاب آبائهم) ، فتعلمت عائشة على رسول الله علما هو العلم الإلهي النبوي الذي هو فوق العلم الفكري النظري ، وهو له أصل ، فالفكر قد يقول إن الأطفال جميعا أبرياء ما داموا صغارا ، والفكر قد يحكم مثلا على الأغنياء بأنهم جميعا أنانيون ظالمون ، وأن الفقراء ضحايا مظلمون ، ومع هذا فالعلم الإلهي النبوي قد كشف أفقا آخر هو ما قاله النبي صلىاللهعليهوسلم لعائشة عن أن الإنسان يولد طيبا صالحا مثل عائشة ، ويولد شقيا كافرا مثل الغلام الذي لقيه العبد الصالح فقتله ، والأغنياء ليسوا جميعا أشرارا ظالمين ، فهذا أبو بكر يفتدي الإسلام بنفسه وماله ، وهذا عثمان يخرج عن معظم ماله من أجل تجهيز جيش المسلمين ، وكان عبد الرحمن بن عوف غنيا دعم الإسلام بثروته ... وكذلك فالفقراء ليسوا جميعا صالحين غيريين ، فلقد كانت قريش تستأجر المرتزقة الفقراء لقتال المسلمين ، واستخدمت هند بنت أبي سفيان العبد حبشي فقتل حمزة عم الرسول.
فالعلم الإلهي له الأصول ، وبالتالي فإن له القوامة على العلم الإنساني الذي يمثل الخطأ والصواب ، وهو متطور لا يثبت على حال ، واعتماد العلم الإلهي أولى لحكم العالم وإصدار الشرائع والقوانين ، لأن له رؤية بعيدة المدى صالحة لكل زمان ومكان ، وهو العليم بالإنسان وبمصلحة الإنسان وبفطرة الإنسان ، فالإسلام مثلا لم يجرد الأغنياء من أموالهم بل فرض الزكاة والصدقة ، وحث على عتق الرق والعطاء والبذل ، وكان بهذا السباق إلى معالجة مشكلة إنسانية كبرى تعالج من قبل المفكرين والباحثين حتى يومنا هذا ، وهم في صددها مختلفون.
٢٧ ، ٢٩ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧) فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨) لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (٢٩))
[النور : ٢٧ ، ٢٩]
البيت إشارة إلى القلب ، ودخوله بمثابة استماع الخواطر والاستئناس إليها ، والبيوت غير بيوت المسلمين خواطر الآخرين ثم أقوالهم ، فالمؤمن ما دام قد دخل الإيمان في قلبه فإن عليه ألا يستمع غير المؤمنين من المنافقين ، والسّلام على أهل البيت هو أن يحس الإنسان الطمأنينة والراحة إذا استمع مؤمنا آخر ، فإن الطيور على أشكالها تقع ، والنبي صلىاللهعليهوسلم قال : (الأرواح جند مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر اختلف) ، والإذن قبول الغير استماع الإنسان ، فإن لم يجد لديه رغبة في سماعه فليعرض عنه.