ولقد تحدثنا عن أسماء الصفات التي تطلب المعلومات ، وقلنا إن الصفة بحاجة إلى الموصوف ، لأنها من دونه لا تكون ، وإن الله جعلها رهينة المحبسين ، محبس نوره هو من جهة ، ومحبس العالم المادي من جهة أخرى ، ولقد تحدثنا عن إمكان وجود الحرية الإنسانية ، وقلنا إن العملية إلهية وإن تحققت على يد الإنسان ، ولذلك فسرت العلماء قوله تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) [القصص : ٦٨] ، فأعربت ما بأنها اسم موصول ، وقلنا إن القدر الإلهي صيروري متطور خاضع لظروف الزمان والمكان ، فالقدر هو مجال الفعل الإلهي والتنفيذ.
فمحمد الفاتح انطلق لتحقيق الفتح ، فهاهنا صورة تطلب تحقيقا ، والله المصور ، وخلال المسيرة هناك مواقف وعقبات تقتضي حلولا وقرارات ، وهناك خواطر ، وتردد بين الخواطر ، وانجزام الإرادة ، فالله في ميدان الأنا التجريبية فارس امتطى جواده ، ونزل إلى الميدان ، بكامل عدته وعتاده ، فالمصور يصور في كل خطوة ، فصورة للمدخل ، وصورة للمناورة ، وصورة للانقضاض وصورة للمخرج ، وصورة لجمع الفيء ، وصورة لتطبيق الشريعة في توزيع الفيء ، وصورة لسياسة الناس ، والناس طبقات وصور.
فعن طريق الأنا التجريبية عاشت الأنا المطلقة حياتها وإمكاناتها واستخدمت صورها وقواها ، فالإنسان يد الله اليسرى ، إذا كان نوره سبحانه يده اليمنى الفعالة في الإنسان ، والإنسان صورة معقولة متعلقة بالمادة ، شجرة الحياة ، مشعة عن الله ، والله خالقها ، وبارئها ، ومحمّلها أسماءه الحسنى ، حتى إذا تم شحن الذات بصور المعلومات شبعت شياه الذوات الجزئية بعد الرعي ، فساقها راعيها إلى الحظيرة وقد سمنت وعبلت ، وامتلأت ضروعها لبنا خالصا سائغا للشاربين وقال تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠))