سورة الحشر
بسم الله الرّحمن الرّحيم
١ ـ (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١))
[الحشر : ١]
التسبيح التنزيه ، ولقد سبق أن تحدثنا عن الفرق بين الحق والخلق ، وكيف أن الحق حق والخلق خلق ، والأمر بين وجود مطلق ووجوذ مقيد ، فالمطلق تنزه عن أن يكون في شيء ، أو على شيء ، أو أن يتصل بشيء ، أو ينفصل عن شيء ، وهذا معنى المعية الإلهية التي تحدثنا عنها سابقا.
والوجود المطلق هو النور الشريف ، أصل الوجود ، كان ولم يكن قبله شيء ، وهو الآن وليس معه شيء ، وهو وارث كل شيء ، فالنور الحياة الإلهية السرمدية التي هي الوجود الحي.
أما الوجود المقيد فهو المقيد بالتعين ، والتعين أطر حسية تظهر بها صور عقلانية هي صفات الحق سبحانه ، ولطالما تحدثت الصوفية عن عدم إمكان الفصل بين الوجود المطلق والوجود المقيد ، وعن حاجة المطلق إلى المقيد ، وحاجة المقيد إلى المطلق ، فالمطلق بشرط الإطلاق إطلاق ، والإطلاق من غير جهة لا يحد ولا يظهر ، والله يحب أن يظهر ، وقلنا في كتبنا السابقة إن النور بحاجة إلى شاشة يساقط عليها أشعته ، فلو لا الشاشة ما ظهر النور ، ولا عرف ، ولما مارس قواه وإمكاناته ، وحاشاه سبحانه أن يكون نورا معطلا بلا فعالية وتأثير وظهور.
فالمهم أن يرى المطلق في المقيد ، أي أن يرى الله في الخلق باعتبار الخلق صورا إلهية وصفات إلهية ووسائل للظهور ، فحتى هذا المدى فقط يتعرف الإنسان الله فيعرفه ، أما النور المطلق ، فبحكم كونه مطلقا فلا يمكن تعرفه ولا معرفته ، فما دمنا نحن البشر أصحاب العقول مدرجين في نطاق التقييد فليس لنا أن نعرف ماهية النور الخارج عن التفكير في ذات الله ، باعتبار الذات سرا من الأسرار ، وباعتبار الروح ، حكمة الله وقدرته ، سرا منبثقا من السر الإلهي ، ولهذا قال سبحانه : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً (٨٥)) [الإسراء : ٨٥].
٢ ، ٤ ـ (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (٢) وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ