الإنسان جوهر الفكر ، وأنه نحاس أشرق فوقه ذهب العقل الإلهي كما قال الرومي : وأن الفكر لله ، وهو العرش الذي استوى الله عليه ، نجا من ثم من نار النمرود ، وصار المفكر لله وبالله وإلى الله.
٢٦ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦))
[الحديد : ٢٦]
نوح وإبراهيم إشارة إلى الإنسان الكامل الجامع ممثل النوع ، وما دام النوع وحدة في تكثر ، كان في ذرية النوع النبوة والكتاب ، أما النبوة فيمثلها الإنسان الذي وصل مركز نوعه ، فصار ممثل النوع ، وأما الكتاب فهو يمثل الحقيقة التي هي أساس النوع نفسه ، والتي هي مجموعة معادلاته العلمية التي تخرج من كونها بالقوة إلى كونها بالفعل ، قال سبحانه في سورة يوسف على لسان يعقوب عليهالسلام : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) [الآية : ٦] ، وقال على لسان يوسف عليهالسلام : (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ) [يوسف : ٣٨].
والافتضاض للإنسان النوعي هذا يقتضي وجود المهتدي والفاسق ، وهذا الافتضاض هو الذي جعل الحق يسمي نفسه الهادي المضل ، وعليه يكون الناس أجمعون ، فاسقون ومهتدون ، من ذرية نوح وإبراهيم ، كما كان من ذرية يعقوب أولاده الضالون إخوة يوسف الذين كادوا له كيدا ، ويكون نوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف مثل ذي القرنين الذي فتح الأرض شرقا وغربا ، فصارت رقاب العباد له خاضعين ، كما دان إخوة يوسف له ، وخضعوا واستغفروا فغفر الله لهم ، واستوى يوسف على عرش العلم والأمر
٢٧ ـ (ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٧))
[الحديد : ٢٧]
عيسى الكلمة القديمة وقد تجسدت عينا ، وكنا تحدثنا عن ذوي القرنين نوح وإبراهيم ، وكذلك عيسى هو مثل ذي القرنين ، وعيسى المسيح ، والمسيح الممسوح بالنور ، فعيسى عليهالسلام هو النور الإلهي ظاهرا ، ولهذا أنكر الحق أن يكون له ولد ، وأنكر أن يكون المسيح ثالث ثلاثة ، وقال ابن عربي لو لا قولهم ثلاثة ما كفروا ، والمعنى أن الوجود واحد ، إلهي ، ظاهرا وباطنا.