وخفة الموازين رجحان كفة الصفات السيئة ، وصاحبها في خسر ، وذلك لأن صفاته السيئة ظلت تأسره وتحجبه بالتالي عن الله وتبعده ، وهؤلاء في جهنم.
١٠٤ ، ١١١ ـ (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (١٠٤) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (١١١))
[المؤمنون : ١٠٤ ، ١١١]
الخطاب موجه إلى أصحاب الشمال ، والخطاب موجه بشكل تمثيلي ، إذ من هم أصحاب الشمال حتى يوجه إليهم الخطاب ، وسبق أن قلنا إن الكل في عين الجمع فانون؟
فالذات فرزت منها جمعا جعلته أفرادا جعلتهم أصحاب الشمال إسنادا لأصحاب اليمين ، حتى إذا فار تنور العناصر غرق الجميع في بحر الهيولى ولم تبق إلا الصفات العائمة في فلك المعقولات.
١١٢ ، ١١٨ ـ (قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨))
[المؤمنون : ١١٢ ، ١١٨]
الآيات تتحدث عن طي الزمان ، وهو ما أشار إليه سبحانه في موضع آخر قائلا : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) [الأنبياء : ١٠٤] ، فالزمان نسبي ، وسبق أن تحدثنا عنه ، وهو موجود في حساب الإنسان النسبي فقط ، فالأبدية لا زمان لها ، ووصفناها من قبل بأنها صيرورة في ديمومة وديمومة في صيرورة ، وقلنا إن هذا هو اليوم الإلهي ، ففي أفلاك الأجرام ليس ثمت إلا الصفات داخلة وخارجة ، ظاهرة وباطنة ، تمارس دورها لتظهر ربها وليظهرها ربها ، ثم يظهر الله باسمه الظاهر ، وهذا هو الرجوع من النهاية إلى البداية الذي تحدث عنه الجنيد لما سئل ما النهاية؟ فأجاب الرجوع إلى البداية.
فالناس إلى ربهم راجعون أصحاب اليمين منهم وأصحاب الشمال ، وتنتهي من ثم دورة من دورات الزمان الوجودي ، ثم لا يكون زمان ولا يكون إلا الكائن بكينونة صرفة سميت في القرآن زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار.