رآه قال إنه أسود وهذا ما أكده كانط قائلا : إن شأن الإنسان كمن يضع على عينه نظارة ملونة ، كيفما كان لونها رأى العالم بذلك اللون.
٦ ـ (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦))
[القمر : ٦]
الكشف كشفان ، كشف يؤدي إلى النور ، وكشف لا يزيد الظالمين إلا ظلاما ، والكافرون يرون الحقيقة يوم الحساب في كل ساعة ، بل في كل خطرة من خواطر نفوسهم ، ولكنهم يعرضون عنها مستنكرين ورافضين القول إن الفكر من الله لا من الإنسان ، ومن فكر في فكره ، ويسره الله لليسرى ، انشق قمر قلبه فرأى كيف يكون الفكر لله.
٧ ، ١٠ ـ (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (٧) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠))
[القمر : ٧ ، ١٠]
الأجداث إشارة إلى الأبدان ما دام البدن سجن الروح ، والخروج انكشاف الحقيقة كما بيّنا ، وثمت لطيفة بين الخروج من أجداث الأبدان وبين التشبيه بالجراد المنتشر ، إذ الجراد كثرة ، وكثرتها وحدة ، فلا تميز جرادة من أخرى ، فهذه الأبدان جدث كبير هو بدن كبير كلي ضم الروح الكلي ، وما بقي للإنسان إلا ذبالة من وعي حسي هو انعكاس فعل الروح في الدماغ وتأثيره فيه ، فيكون الوعي لا حسيا خالصا ولا روحيا خالصا ، بل هو برزخ ومعبر ، كما شبهنا ذلك ببوق يستقبل النفخ ويصدر الصوت ، وهذه العدمية التي تهدد الإنسان ، بل هي حقيقته ، لا خلاص له منها إلا بالفرار إلى الله والفناء فيه ، أو كما يقال الإنسان لن يجد له مأوى ولا يجد راحة ولا سكينة ، وهو كلما حقق غاية تبدت له غايات ، وكلما بلغ أفقا طالعته آفاق.
١١ ، ١٧ ـ (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧))
[القمر : ١١ ، ١٧]
وصف حقيقة الوجود العياني كما هو. وفي الكشف فقط تفتح أبواب السماء بماء منهمر هو ماء العلوم اللدنية ، وتلتقي عيونا في الأرض هي ماء العلوم الإنسانية التي يتمخض عنها الفكر والنظر والتجربة والمعاينة ، فإذا التقى الماآن فلا ماء إلا الماء الإلهي ، فهو سبحانه كان علمه مطويا فنشره في هذه العلوم ، والناجي هو نوح الذي كتبت له النجاة من ماء الهيولى الحسية ، فنجا من الطوفان ومن الغرق ، وذلك بركوبه فلك المعقولات الإلهية التي عامت في بحر