وهذا يبديه ، وهذا يعيده ، وهذا يفنيه ، وهذا يبقيه ، فهو زائل عن نعوت البشرية ، قائم بصفات العبودية ، ولا يحس بالأغيار ، ولا يشهد غير عظمة الجبار.
٢٨ ـ (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٢٨))
[الفتح : ٢٨]
البطن الظاهر ظهور الإسلام على بقية الأديان ، والمشاهد أنه توجد حتى عصرنا هذا أديان سماوية ، ولها أتباع كثير ، ويقدر عدد المسلمين اليوم بخمس سكان المعمورة ، فالقصد الحقيقي للآية النفاذ من الظاهر إلى الباطن للإطلاع كشفا وذوقا وعلما على أن الإسلام جوهر الأديان ، وهو حقيقتها ، كما يقال في الفلسفة أن الجوهر قوام الأعراض ، فالإسلام على الحقيقة شمس الوجود ، والأديان الكواكب السابحة في أفلاكها وفي مدار حول الشمس تستضيء بها ، فالإسلام سر الكلمة والروح الكلي الشامل الجامع لعالم الذات والموضوع.
٢٩ ـ (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٢٩))
[الفتح : ٢٩]
المسلم الحق يشمل الموسوي الحق والنصراني الحق ، فمن عبد الله حق العبادة ، واتقى الله حق تقاته أخرجه من سجن الأنا والصفات ، وأدخله في رحمته محمديا كان أو موسويا أو نصرانيا أو بوذيا أو هندوسيا ، وأطلق الهندوس على غاندي لقب المهاتما أي الروح الأعظم ، ويعد غاندي مثلا يحتذى في قهر النفس ، وسياسة النفوس وضبطها وتطوير إمكاناتها وقواها كما كان زعيما سياسيا لا يوجد له في زمانه نظير ، فالرجل يصدق فيه قول الله إن إبراهيم كان أمة ، وفي زمن الرومان ضرب الله مثلا ذا القرنين الموحد الأكبر الذي فتح مشرق الأرض ومغربها ، ودانت له الأمم ، حتى صارت الرقاب له خانعين.
فالمسلم إنسان عالمي ، تحقق فيه استحالة الفرد إلى نوعه ، فصار ممثل روح النوع ، وتسلح بقوة النوع ، وتحقق فيه جوهر الإنسان الحقيقي الذي هو النوع ، فالنجاء النجاء أيها الإنسان الفرد الغارق في فردانيته ، الحبيس في أقفاص الصفة والشهوات والممتلكات ، فأمامك المطلق وعوالمه ، واللامتناهي وأمداؤه ، والخلاق وعظمة الخلاق ، فكن له عبدا يكن لك مولى ، يعطيك خير ما في الدارين ، وينصبك خليفة على عرش ذي القرنين ، فتصير بدورك أمة في رجل ، وتصبح قبلة الأنظار وكعبة الزوار ، زينة للناظرين ، ورحمة للعالمين.